في القرن الثامن عشر الميلادي كان العالم الإسلامي ساقطا في هوة عميقة، لا توجد له علائم للقوة الصحيحة، عم أرجاءه الجمود والخمول، وانتشر فيه فساد الأخلاق بشدته، وغابت فيه بقايا آداب العرب يبتلعها الترف المفرط عند طائفة الذي تولد منه بؤس الأكثرية العظمى، وتوقفت حركة التعليم. نعم، هناك عدة جامعات أقعدها الجمود، وعاشت عيشة كفاف لا يهتم بها. هكذا وصف العالم الأميركي الدكتور لوثروب ستود دارد العالم الإسلامي آنذاك في كتابه حاضر العالم الإسلامي. ثم بعد وصفه أحوال المسلمين الاجتماعية والسياسية استطرد قائلا: "وأما الدين فقد أصابه الجمود شأن غيره من نواحي الحياة، فالتوحيد الذي أرشد إليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد غشيته الخرافات وآراء الصوفية وخلت المساجد من معظم العوام، وكان الناس يحملون العزائم والتمائم والسبحات، ويعبدون الأولياء، ويتخذونهم وسائط إلى الله ليقربوهم إليه زلفى لزعمهم أن الإنسان العادي لا يستجاب له إلا بواسطتهم. غابت عن الناس الفضائل التي علمها القرآن أو استهانوا بها، فصار شرب الخمر والمخدرات في كل مكان، وعم البغاء، وانتشرت الرذائل، وهتك الأعراض على غير خوف ولا حياء. وأصاب المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة ما أصاب غيرهما من مدن العالم الإسلامي من الرذائل والشرور، وصار الحج الذي فرضه الله على عباده المؤمنين عملا ذليلا يجري على غير مجراه الصحيح.