سبحانه في حق نبينا خاصة ماذكره في كتابه كقوله:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}[الأعراف:١٨٨] وقوله: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا}[الجن:٢١] أي لا أقدر على كشف ضر نزل بكم ولا إيصال نفع إليكم، أي لا يملك ذلك إلا الله. فمن زعم أن غير الله يطلب منه فهو مكذب لله وجاعل له شريكا في ذلك تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
قال المعترض: فدل على أن نداء النبي صلى الله عليه وسلم في الشدائد أمر معهود.
يعني الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم وإنما عبر بالنداء طردا لقوله الباطل المتناقض:
إن طلب المخلوق من المخلوق يسمى نداء لا دعاء. وقد بينا بطلان قوله هذا ومخالفته للكتاب والسنة والإجماع العلماء والنحويين، وأن الدعاء بطلب رفع المكروه أو دفعه يسمى استغاثة كما يسمى دعاء. فلما قال: إن نداء النبي صلى الله عليه وسلم في الشدائد أمر معهود يعني أنه يطلب منه صلى الله عليه وسلم كشف الشدائد، فهذا حقيقة الاستغاثة، فليسميه المبطل نداء أو طلبا أو توسلا أو تشفعا أو ما شاء من الأسماء، فإن ذلك لا ينفعه ولا يغير الحكم، فهذا الضال يزعم أن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في الشدائد بعد موته أمر معهود، يعني معروف مشهور معمول به عند الصحابة
والتابعين. فجعل هذا الصحابة والتابعين أشد غلوا في النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين الأولين في الملائكة والأنبياء والجن والأصنام١، لأن الله سبحانه أخبر في كتابه أن المشركين يخلصون الدعاء لله في حال الشدة وينسون آلهتهم من الملائكة والأنبياء والجن والأصنام قال سبحانه {وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}[الإسراء:٦٧] وقال تعالى {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[العنكبوت:٦٥] وقال: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}[الأنعام:٤٠،٤١] .