فيقال: هذا بعيد من مراد الناظم ومن مقتضى لفظه لأن أل في اللوح والقلم للعهد الذهني، لا يقع في ذهن السامع غير اللوح المحفوظ والقلم الذي جرى بالمقادير وكونه بعيدا من مراد الناظم في هذه الحال لأنه بالغ في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وإطرائه، فلما وصفه بكون الدنيا والآخرة من جوده فتعدى في وصفه بالجود ناسب أن يصفه بسعة العلم، ولو أراد أقلام الناس لم يخص الألواح بل يأتي بلفظ يعم ما يكتبون فيه من لوح وقرطاس وغيره. وأيضا فالناس يكتبون بأقلامهم الحق والباطل، ويكتبون الكفر والسحر والشعر وجميع العلوم الباطلة مما ينزه الرسول صلى الله عليه وسلم عن إضافته إليه، ويكتبون بعد موته صلى الله عليه وسلم الرسائل والمداينات وغير ذلك مما يقع في غد وذلك من الخمس التي لا يعلمها إلا الله، وقد قالت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: "من زعم أن محمدا يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} . ١
وقوله: ويحتمل أن المراد اللوح المحفوظ، ولا يلزم على هذا اعتراض المعترض لأن المراد علم اللوح غير الفواتح الخمس. إلى قوله: وهذه الفواتح لا يلزم أنها في اللوح المحفوظ بل هي في أم الكتاب وهي غير اللوح. إلى قوله: فتبين بهذا أن أم الكتاب غير اللوح بل هي أصل اللوح.
لم يذكر ما يبين ذلك وإنما هو مجرد دعوى كاذبة. وذكر ما ذكره البغوي عن عكرمة عن ابن عباس، قال: هما كتابان سوى أم الكتاب. وهذا حجة عليه لأنه ذكر كتابين غير أم الكتاب بل كلامه يدل على أن اللوح الذي ذكر صفته هو أم الكتاب لأنه لما ذكره قرأ {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[الرعد: ٣٩] . فالظاهر أن هذا إشارة إلى أن هذا اللوح الذي وصفه هو أم الكتاب، لم يقل إن اللوح المحفوظ غير أم الكتاب. وما ذكره عن عطاء عن ابن عباس لم يقل
١ أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل -: {ولقد رآه نزلة أخرى} حديث رقم ٤٣٨.