أحدهما: أن ذلك كان من كل منهم بناء على الإجتهاد منه في ذلك والتأويل المسوغ له للأقدام عليه، ومع هذا فلا يكون شيء من ذلك قادحاً في عدالتهم. لأن جميع تلك الوقائع إن كانت مما يسوغ فيه الإجتهاد فظاهر لأنه حينئذ إن قلنا إن كل مجتهد مصيب فلا يتوجه تخطئته إلى أحد من الفريقين.
وإن قلنا المصيب واحد والثاني مخطئ، فالمخطئ في إجتهاده معذور غير آثم، فلا يخرجه خطؤه عن العدالة.
وإن لم يكن ذلك مما يسوغ فيه الإجتهاد فالمخطئ كان متأولاً فيما فعله.
وإن كان تأوله خطأ فلا يخرج بذلك عن العدالة، كيف وإن عدالتهم ثابتة بما تقدم من الأدلة القطعية، فيستصحب ولا يُزال بالشك والوهم.
لا سيما مع ما تقدم من ثناء الله تعالى عليهم ورسوله صلى الله عليه وسلم مع العلم بما يصدر منهم.
ومما يؤيد أن ذلك من المجتهد فيه قعود جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن الكون مع أحد الفريقين، كسعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة وغيرهم لأنه خفي عليهم الأمر.
وروي أن علياً رضي الله عنه دعى سعد بن أبي وقاص إلى أن يكون معه فقال له:
٣٤- "أعطني سيفاً يعرف الحق من الباطل، أو قال: المحق من المبطل، وكان علي رضي الله عنه مع أن الحق معه يغبط سعدً رضي الله عنه بذلك، فكان يقول:
٣٥- "لله در منزل نزله سعد بن مالك، إن كان ذنباً فذنب صغير، وإن كان أجر فأجر عظيم١.