وعلى وجه العموم فالمسألة تحتاج إلى مزيد عناية وتتبع للأدلة الواردة في هذه المسألة. وعلى كلا القولين فلا يدخل في هذا النوع أن يكره المسلم فعل واجب لمشقته عليه، أو أن يكره ترك محرم لمحبته لفعله، فإن هذا كره للفعل أو للترك، ولم يكره أن الله أوجب الواجب أو حرم الحرام، فهو كره أن يفعل هذا الواجب أو أن يترك هذا المحرم لا غير، كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] أي تكرهونه من حيث الطبع لما فيه من المشقة عليكم، فيكره المسلم أن يفعله بنفسه لما فيه من المشقة، من تعريض النفس للهلاك وغير ذلك من المشاق، ولكن لا يكره أن الله شرعه، بل يحب ذلك ويرضى به ويعلم أن الخير للأمة في وجوب الجهاد، وأنه ذروة سنام الإسلام. فحال المسلم مع هذا الحكم وأمثاله كحال المريض الذي وصف له الطبيب علاجاً ودواءً فيه مشقة عليه، كأن يصف له شراباً كريه المذاق، أو ينصحه بإجراء عملية جراحية فيها ألم ومشقة، فهو يكره هذا الدواء، لكنه راض عن وصف الطبيب له هذا العلاج، فيكره نفسه عليه، وقد يضعف عن تحمله فيتركه، مع معرفته أن فيه شفاءه، واعترافه بأن فيه نفع له لما يعلم من مهارة هذا الطبيب ونصحه له، وبهذا يجمع بين محبته للمعصية أو كرهه للطاعة طبعاً، وبين رضاه بتقدير الله تعالى وشرعه ومحبته له. ينظر تفسيري البغوي والقرطبي للآية "٢١٦" من سورة البقرة، والمفردات ص٤٢٩، ومدارج السالكين ٢/١٨٣،١٨٢، والنواقض الاعتقادية ٢/١٧٧-١٧٩.