للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا كله إنما هو في حق من كان مختاراً لذلك، أما من كان مكرهاً أو ملجئاً إلى ذلك إلجاءً اضطرارياً كمن خرج مع الكفار لحرب المسلمين مكرهاً "١" ونحو ذلك فلا ينطبق عليه هذا الحكم لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: ٢٨] .


فإذا ثبت أن ما فعله حاطب رضي الله عنه ليس ردة وهذا مجمع عليه مع أن رسالته لو وصلت إلى مشركي مكة لاستعدَّت قريش للحرب، وهذا خلاف ما قصد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من تعمية خبر غزوه لهم، فما عمله حاطب رضي الله عنه إعانةٌ عظيمة للكفار في حربهم للمسلمين في غزوة من أهم الغزوات الفاصلة في الإسلام إذا ثبت ذلك عُلم أن الإعانة لا تكون كفراً حتى يكون الحامل عليها محبة الكفار والرغبة في انتصارهم على المسلمين، وعلم أن القول بأن إعانة الكفار على المسلمين كفر وردة مهما كان الحامل عليها كما هو ظاهر كلام ابن حزم في المحلى ١١/١٩٨ مستدلاً ببعض أحاديث الوعيد فيه نظر ظاهر.
وينظر: كلام الشيخ عبد اللطيف السابق، ففيه تفصيل وتجليه لهذه المسألة.
وهذا التفصيل في أوجه الإعانة المذكور أعلاه هو ما قرره شيخنا عبد الرحمن بن ناصر البراك، وهو ما يدل عليه مجموع الأدلة الواردة في هذه المسألة، والله أعلم.
"١" قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة ٥/١٢١ عند كلامه على الكفار: "وقد يقاتلون وفيهم مؤمن يكتم إيمانه، يشهد القتال معهم، ولا يمكنه الهجرة، وهو مكره على القتال، ويُبعث يوم القيامة على نيته، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يغزو جيش هذا البيت، فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم " فقيل: يا رسول الله، وفيهم المكره؟ فقال: " يُبعثون على نياتهم ".

<<  <  ج: ص:  >  >>