للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنه حرمه على نفسه وهو سبحانه منزه عن فعله مقدس عنه يبين أن ما قاله الناس في حدود الظلم يتناول هذا دون ذلك، كقول بعضهم: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، كقولهم: من أشبه أباه فما ظلم، أي فما وضع الشبه غير موضعه. ومعلوم أن الله سبحانه حكم عدل لا يضع الأشياء إلا مواضعها، ووضعها غير مواضعها ليس ممتنعا لذاته بل هو ممكن، لكنه لا يفعله، لأنه لا يريده، بل يكرهه ويبغضه، إذ قد حرمه على نفسه.

وكذلك من قال: الظلم إضرار غير مستحق، فإن الله لا يعاقب أحداً بغير حق. وكذلك من قال هو نقص الحق، وذكر أن أصله النقص كقوله: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئا} . وأما من قال: هو التصرف في ملك الغير، فهذا ليس بمطرد ولا منعكس، فقد يتصرف الإنسان في ملك غيره بحق ولا يكون ظالما، وقد يتصرف في ملكه بغير حق فيكون ظالما. وظلم العبد نفسه كثير في القرآن. وكذلك من قال: فعل المأمور خلاف ما أمر به، ونحو ذلك. أتسلم صحة هذا الكلام؟ فالله سبحانه قد كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم فهو لا يفعل خلاف ما كتب ولا يفعل ما حرم. وليس هذا الجواب موضع بسط هذه الأمور التي نبهنا عليها فيه، وإنما نشير إلى النكت.

وبهذا يتبين القول المتوسط وهو: أن الظلم الذي حرمه الله على نفسه مثل أن يترك حسنات المحسن، فلا يجزيه بها، ويعاقب البريء على ما لم يفعل من السيئات ويعاقب هذا بذنب غيره، أو يحكم بين الناس بغير القسط

<<  <   >  >>