للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا رد لقول من زعم أنه يكلف عبده مالا يطيقه ثم يعذبه على ما لا يدخل تحت قدرته، تعالى الله عن هذا الظن الكاذب، والحسبان الباطل علواً كبيراً، فشكره سبحانه اقتضى أن لا يعذب المؤمن الشكور، ولا يضيع عمله، وذلك من لوازم هذه الصفة، فهو منزه عن خلاف ذلك كما تنزه عن سائر العيوب والنقائص التي تنافي كماله وغناه وحمده. انتهى.

وأما قول الشارح: واستدل بقوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} ، فأقول: هذه الآية لا تدل على ما توهمه الشارح من أنه جائز لله أن يعذب عباده من غير ما ذنب ولا جرم استحقوا به، بل الآية تدل على خلافه كما تقدم بيانه مبينا مفصلا.

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين على هذه الآية في صفحة مائتين وإحدى عشر: وهذا من أبلغ الأدب مع الله في مثل هذا المقام أي شأن السيد رحمة عبيده والإحسان إليهم، وهؤلاء عبيدك ليسوا عبيدا لغيرك، فإذا عذبتهم مع كونهم عبيدك، فلولا أنهم عبيد سوء من أنجس العبيد وأعتاهم على سيدهم وأعصاهم له لم يعذبهم، لأن قربة العبودية تستدعي إحسان السيد إلى عبده ورحمته له، فلماذا يعذب أرحم الراحمين، وأجود الأجودين، وأعظم المحسنين إحسانا عبيده لولا فرط عتوهم وإبائهم عن طاعته وكمال استحقاقهم للعذاب؟ وقد تقدم قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} أي هم عبادك وأنت أعلم بسرهم وعلانيتهم، فإذا عذبتهم عذبتهم على علم منك بما تعذبهم عليه فهم عبادك وأنت أعلم بما جنوه واكتسبوه فليس في هذا

<<  <   >  >>