إحداها: أن يجتمع المعنيان: بأن يعلم أنه لا ينفع كلامُه، ويُضربُ إن تكلّم؛ فلا تجب عليه الحِسبة، بل قد يَحْرُمُ في بعض المواضع. نعم، يلزمه أن لا يحضر مواضع المُنكر، ويعتزل في بيته حتى لا يشاهد، ولا يخرج إلاّ لحاجة مهمّة أو واجب.
الحالة الثانية: أن ينتفي المعنيان جميعاً: بأن يعلم أنّ المنكر يزول بقوله وفعْله، ولا يقدَّر له مكروه؛ فيجب عليه الإنكار، وهذه هي القدرة المُطلقة.
الحالة الثالثة: أن يعلم أنه لا يفيد إنكاره، لكنه لا يخاف مكروهاً؛ فلا تجب عليه الحسبة لعدم فائدتها، ولكن تُستحبّ لإظهار شعائر الإسلام، وتذكير الناس بأمْر الدِّين.
الحالة الرابعة: عكس ذلك، وهو: أن يعلم أنه يُصاب بمكروه، ولكن يَبطل المُنكرُ بفعله، كمن يَقدِر على أن يرمي زجاجة الفاسق بحجَر فيكسرها ويريق الخمر، ويتعطّل عليه هذا المنكر. ولكن يعلم أنه يرجع إليه، فيضرب رأسه.
فهذا ليس بواجب وليس بحرام، بل هو مُستحب، ويدل عليه قولُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما سئل عن أي الجهاد أفضل؟ قال:((كلمة حقّ عند سلطان جائر))، رواه النسائي بإسناد صحيح.
فإن غلب الظّنّ على مُنْكِر أنه يُؤذَى ويُصاب، لم يجب الإنكار. وإن غلب على الظّنّ أنه لا يصاب، وجب الإنكار. وتوقّع المكروه بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يختلف من شخص لآخَر، بحسب الضعف والقوة، والجبن والشجاعة.