لذلك ينبغي لمن يتصدّى للأمر أو النّهي أن يكون عاقلاً حصيفاً، يزنُ الأمور بميزان دقيق، فيدرس حالة مَن يريد أن يتصدّى له، فيعرف حالته النفسية، وظروفه الاجتماعية، ويقف على الدوافع، والأسباب التي حملتْه على ارتكاب المنكرات وعدم الإقبال على الطاعات، ويبصر بعين ثاقبةٍ مدى تحمّل هذا الشخص للتوجيه، ومدى تقبّله للّوم أو التعنيف أو التغيير بالقوة، ويسأل الداعي نفسه: هل إذا تصدّى للمنكَر سيجد الأعوان والأنصار الذين يؤازرونه ويناصرونه، أم سيواجه الأمر وحده؟ كما يجب أن يكون ذا نظرة بعيدة، فيرى ويقدِّر: هل إذا أقدم على أمرٍ أو نهْي أحدث من العواقب السيئة ما هو أشدّ وقعاً من إزالة المُنكر، كحدوث فتنة أشد؟
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فحيث كانت مفسدة الأمْر والنهي أعظم من مصلحته، لم يكن ممّا أمر الله به، وإن كان قد تُرك واجبٌ وفُعِلَ محرَّمٌ؛ إذ المؤمن عليه أن يتّقي الله في عباد الله، وليس عليه هداهم".
ولقد وضع الفقهاء قاعدة عظيمة في درء المفاسد وجلب المصالح، فقالوا:"درء المفسدة مقدَّم على جلْب المصلحة".
وقد فصّلها الإمام ابن القيم فقال:
"شَرَعَ النبي -صلى الله عليه وسلم- إيجابَ إنكار المنكَر ليحصُل من إنكاره من المعروف ما يُحبّه الله ورسولُه. فإذا كان إنكارُ المُنكَر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغُ إنكارُه، وإن كان الله يبغضه ويمقتُ أهله. وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كلِّ شرٍّ وبليّة.