من الثوابت العلْمية والحقائق التاريخية: أنّ الرسالات السماوية السابقة عن الإسلام قد انقطعت أخبارُها، واندثرت معالمُها، وانتهت مصادرُها إلى مجاهل التاريخ وزوايا النسيان. ولم يعُدْ من تلك الأديان ما يتردّد فيه نبض الحياة، سوى الديانتيْن: اليهودية والنصرانية. حتى أن نبض هاتيْن الديانتيْن أصبح نبضاً ضعيفاً، بل كاد يتوقّف لِما حلّ بهما من تغيير وتبديل؛ فلقد امتدّت إليهما أيدي أحبار اليهود ورهبان النصارى بالتحريف زيادةً ونقصاً ثم احتدم الخلاف واشتدّ الجدال حول مسائل العقيدة في الديانتيْن، فضاق بهما أصحابهما، ودفعوا بهما خلْف جدران البِيَع والكنائس والأدْيِرة. وقامت الثورات في أوروبا تُنحِّي الدين عنها وتُبعده عن الحياة. وكان من شعار الثورة الفرنسية:"اقضوا على آخِر ملِك بأمعاء آخِر قسّيس".
فتعاظم شأن الإلحاد، وتم فصْل الدِّين عن الدولة، واستعاضت أوروبا عن الدِّين بالقوانين الوضعية التي لا تمتّ بصلة لوحي السماء ورسالات الأنبياء، وإنما هي مزيج من الحضارتيْن اليونانية والرومانية، مع صبغهما بصباغ المسيحية التي وضع أصولها بولس الرسول الذي غيّر معالمها الحقة؛ ومن ثم لم يَعُد الدِّين هو المُوجِّه للحضارة الغربية المعاصرة.
أمّا الإسلام العظيم فإن ممّا اختص به وتميّز عن سائر الدّعوات السابقة عليه: ثبوت مصادره، وقدسية نصوصه، وبقاء ونقاء ثوابته الشرعية وأصوله التشريعية، لأن الله تعالى قد تكفّل بحفظه، فقال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحِجر:٩).