للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما عن المرتبة الثالثة من مراتب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وهي: الإنكار بالقلب، فهذا موضوع المحاضرة القادمة -إن شاء الله-.

هذا، وبالله التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

٣ - مِن أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , مراتب إنكار المُنكَر

حُكم التغيير بالقلب وبيان مظاهره

فما زال الحديث يتواصل عن أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تناولنا درجات تغيير المنكَر كما حدّدها ووضّع ضوابطها الرسول -صلى الله عليه وسلم-. ولقد ذكرنا في المحاضرتيْن السابقتيْن التغيير باليد، ثم باللسان.

وفي هذه المحاضرة نتعرّض للمرتبة الثالثة، وهي:

التّغيير بالقلب:

كما قال -صلى الله عليه وسلم- (( ... فإن لمْ يستطِعْ فبقلْبه، وذلك أضعف الإيمان)).

التمهيد للمحاضرة:

القلب في الإنسان هو مركز المشاعر والعواطف، ومستودع الإيمان والكفر، والحبّ والبغض، وبتوقّفه تتوقّف الحياة وينتهي العمر.

ولقد ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنّ صلاح القلب هو صلاح للجسد كلّه، وأن فساده فسادٌ للجسد كلّه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((ألاَ إنّ في الجسد مضغة، إذا صلحتْ صلح الجسد كلّه، وإذا فسدتْ فسَد الجسدُ كلّه؛ ألا وهي القلب)).

والقلب يجلو بالطاعة ويصدأ بالمعصية؛ فإذا ما التزم بالطاعة واستشعر حلاوة الإيمان وعظمة الإسلام، ظلّ يقظاً وحارساً أميناً على كلّ ما يمتّ إلى الدِّين بِصِلة، وينفعل ويغضب إذا ما انتُهِكت حرُمات الله، ويُصدر أوامره للحواس لتغيير المنكرات، إما باليد، أو اللسان. فإن لم يستطيعا المقاومة، لضعف منهما أو لغلبة الباطل وكثرة جُنده، وجب على القلب أن يشارك في معركة التغيير. فالمسلم لا ينسحب من ميدان الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مهزوماً، ويتركه للعصاة والفسقة يعيثون في الأرض فساداً، بعد ما لم يجد التغيير باللسان أو باليد؛ بل يجب عليه أن يظلّ يقاوم. وآخِر حصون هذه المقاومة هو: القلب، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (( ... فإن لمْ يستطِع فبِقلْبه، وذلك أضعف الإيمان)).

فلقد أسند الرسول -صلى الله عليه وسلم- التغيير إلى القلب كتغيير اللسان واليد؛ فالمسلم مطالبٌ شرعاً أن يتتبّع المُنكَرات ويكشف للمسلمين سوءاتها، ويظل يطارد المعاصي ويحافظ على حدود الله، لا تفتر عزيمته، ولا توهن قوّته، ويستمر كذلك حتى آخِر رمق في حياته. ولا ينبغي للمسلم أن يستهين بمقاومة القلب للمنكَرات؛ فهو سلاح فعالٌ ومؤثِّر في التصدي لها والقضاء عليها، إو إضعافها، إن أحسن استخدامه، وأخلص الإنسان النية في الإنكار؛ فإنه يحصل على فائدتيْن عظيمتيْن:

<<  <   >  >>