ومَن تأمّل ما جرى على الإسلام من الفتن الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على مُنكَر، فَطَلَبَ إزالتَه، فتولّد منه ما هو أكبر منه. ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها. فلمّا فتح الله مكة وصارت دار إسلام، عزم -صلى الله عليه وسلم- على تغيير البيت وعلى ردّه على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك -مع قدرته عليه- خشية وقوع ما هو أعظم منه فتنة من عدم احتمال قريش لذلك، لقُرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر؛ ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد، لِما يترتّب عليه من وقوع ما هو أعظم منه.
فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج، كان إنكارك عليهم مِن عدم الفقه والبصيرة، إلاّ إذا نقلْتَهم منها إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله، كرمي النُشّاب وسباق ونحو ذلك ... وإذا رأيت الفسّاق قد اجتمعوا على لعبٍ ولهو أو سماع، فإن نقلتَهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد، وإلاّ كان تركُهم على ذلك خيراً من أن يتفرّغوا لِما هو أعظم من ذلك ... وإذا كان الرجل مشتغلاً بكتب المجون