الباب الخامس: في جواب أرباب هذا القول لأصحاب القول الأول.
قالوا أما قولكم إن قولنا هو الذي فطر الله عليه عباده بحيث لا يعرفون سواه فالمسألة سمعية لا تعرف إلا بأخبار الرسل ونحن وأنتما إنما تلقينا هذا من القرآن لا من المعقول ولا من الفطرة فالمتبع فيه ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ونحن نطالبكم بصاحب واحد أو تابع أو أثر صحيح أو حسن بأنها جنة الخلد التي أعدها الله للمؤمنين بعينها ولن تجدوا إلى ذلك سبيلا وقد أوجدناكم من كلام السلف ما يدل على خلافه ولكن لما وردت الجنة مطلقة في هذه القصة ووافقت اسم الجنة التي أعدها الله لعباده في إطلاقها وبعض أوصافها فذهب كثير من الأوهام إلى أنها بعينها فإن أردتم بالفطرة هذا القدر لم يفدكم شيئا وإن أردتم أن الله فطر الخلق على ذلك كما فطرهم على حسن العدل وقبح الظلم وغير ذلك من الأمور الفطرية فدعوى باطلة ونحن إذا رجعنا إلى فطرنا لم نجد علمها بذلك كعلمها بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات.
وأما استدلالكم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه وقول آدم "وهل أخرجكم منها إلا خطيئة أبيكم" فأنما يدل على تأخر آدم عليه السلام عن الاستقباح للخطيئة التي قد تقدمت منه في دار الدنيا وأنه بسبب تلك الخطيئة حصل له الخروج من الجنة كما في اللفظ الآخر إني نهيت عن أكل الشجرة فأكلت منها فأين في هذا ما يدل على أنها جنة المأوى بمطابقة أو تضمن أو استلزام وكذلك قول موسى له أخرجتنا ونفسك من الجنة فإنه لم يقل له أخرجتنا من جنة الخلد.
وقولكم أنهم خرجوا إلى بساتين من جنس الجنة التي في الأرض فاسم الجنة وإن أطلق على تلك البساتين فبينها وبين جنة آدم ما لا يعلمه إلا الله وهي كالسجن بالنسبة إليها واشتراكهما في كونهما في الأرض لا ينفي تفاوتهما أعظم تفاوت في جميع الأشياء.