للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحكمة كما يوجد التعذيب والعقوبة في الدنيا في شرعه وقدره فان فيه من الحكم والمصالح وتطهير العبد ومداواته وإخراج المواد الردية عنه بتلك الآلام ما تشهده العقول الصحيحة وفي ذلك من تزكية النفوس وصلاحها وزجرها وردع نظائرها وتوقيفها على فقرها وضرورتها الى ربها وغير ذلك من الحكم والغايات الحميدة ما لا يعلمه إلا الله ولا ريب إن الجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب ولهذا يحاسبون إذا قطعوا الصراط على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا ذهبوا ونفوا أذن لهم في دخول الجنة ومعلوم إن النفوس الشريرة الخبيثة المظلمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه لا يصلح إن تسكن دار السلام في جوار رب العالمين فإذا عذبوا في النار عذابا تخلص نفوسهم من ذلك الخبث والوسخ والدرن كان ذلك من حكمة احكم الحاكمين ورحمته ولا يتنافى الحكمة خلق نفوس فيها شر يزول بالبلاء الطويل والنار كما يزول بها خبث الذهب والفضة والحديد فهذا معقول في الحكمة وهو من لوازم العالم المخلوق على هذه الصفة أما خلق نفوس لا يزول شرها أبدا وعذابها لا انتهاء له فلا يظهر في الحكمة والرحمة وفي وجود مثل هذا النوع نزاع بين العقلاء أعنى ذواتا هي شر من كل وجه ليس فيها شيء من خير أصلا وعلى تقدير دخوله في الوجود فالرب تبارك وتعالى قادر على قلب الأعيان وإحالتها وإحالة صفاتها فإذا وجدت الحكمة المطلوبة من خلق هذه النفوس والحكمة المطلوبة من تعذيبها فالله سبحانه قادر إن ينشئها نشأة أخرى غير تلك النشأة ويرحمها في النشأة الثانية نوعا آخر من الرحمة

<<  <   >  >>