قد غلب في هذه الدار ونالت البر والفاجر والمؤمن والكافر مع قيام مقتضى العقوبة به ومباشرته له وتمكنه من إغضاب ربه والسعي في مساخطته فكيف لا يغلب جانب الرحمة في دار تكون الرحمة فيها مضاعفة على ما في هذه الدار تسعة وتسعين ضعفا وقد اخذ العذاب من الكفار مأخذه وانكسرت تلك النفوس ونهكها العذاب وأذاب منها خبثا وشرا لم يكن يحول بينها وبين رحمته لها في الدنيا بل كان يرحمها مع قيام مقتضى العقوبة والغضب بها فكيف إذا زال مقتضى الغضب والعقوبة وقوى جانب الرحمة أضعاف أضعاف الرحمة في هذه الدار واضمحل الشر والخبث الذي فيها فأذابته النار وأكلته وسر الأمر إن أسماء الرحمة والإحسان اغلب واظهر وأكثر من أسماء الانتقام وفعل الرحمة أكثر من فعل الانتقام وظهور آثار الرحمة أعظم من ظهور آثار الانتقام والرحمة أحب إليه من الانتقام وبالرحمة خلق خلقه ولها خلقهم وهي التي سبقت غضبه وغلبته وكتبها على نفسه ووسعت كل شيء وما خلق بها فمطلوب لذاته وما خلق بالغضب فمراد لغيره كما تقدم تقرير ذلك والعقوبة تأديب وتطهير والرحمة إحسان وكرم وجود والعقوبة مداواة والرحمة عطاء وبذل الوجه الخامس والعشرون أنه سبحانه وتعالى لا بد إن يظهر لخلقه جميعهم يوم القيامة صدقه وصدق رسله وإن أعداؤه كانوا هم الكاذبين المفترين ويظهر لهم حكمه الذي هو اعدل حكم في أعدائه وانه حكم فيهم حكما يحمدونه هم عليه فضلا عن أوليائه وملائكته ورسله بحيث ينطق الكون كله بالحمد لله رب العالمين ولذلك قال تعالى:{وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فحذف فاعل القول لإرادة الإطلاق وان ذلك جار على لسان كل ناطق وقلبه قال الحسن لقد دخلوا النار وإن قلوبهم لممتلئة من حمده ما وجدوا عليه سبيلا وهذا هو الذي