للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يتضح مما تقدم أن القائلين بإفادة خبر الواحد المحتف بالقرائن، لم يقولوا: إنه يفيد العلم من جهة العادة والاطراد بحيث يساوي خبر التواتر، فيفيد العلم لكل الناس، وإنما قالوا: إنه يفيد العلم النظري الناتج عن النظر والاستدلال بما احتف به من قرائن بعضها يرجع إلى: المخبر، وبعضها يرجع إلى المخبر عنه، وبعضها يرحع إلي المخبر المبلغ. وها أنا أسوق ما قاله ابن القيم -رحمه الله- في هذا.

قال: "وأهل الحديث لا يجعلون حصول العلم بمخبر هذه الأخبار الثابتة من جهة العادة المطردة في حق سائر المخبرين، بل يقولون: ذلك الأمر يرجع إلى المخبر، وأمر يرجع إلى المخبر عنه، وأمر يرجع إلى المخبر المبلغ.

فأما ما يرجع إلى المخبر فإن الصحابة الذين بلغوا الأمة سنة نبيم كانوا أصدق الخلق لهجة، وأعظمهم أمانة، وأحفظهم لما يسمعون، وخصهم الله تعالى من ذلك بما لم يخص به غيرهم، فكانت طبيعتهم قبل الإسلام الصدق والأمانة، ثم ازدادوا بالإسلام قوة في الصدق والأمانة، وكان صدقهم عند الأمة وعدالتهم وضبطهم وحفظهم عن نبيهم أمراً معلوماً لهم بالاضطرار، كما يعلمون إسلامهم وإيمانهم وجهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من له أدنى علم بحال القوم يعلم أن خبر الصّدّيق وأصحابه لا يقاس بخبر من عداهما، وحصول الثقة واليقين بخبرهم فوق الثقة واليقين بخبر من سواهم من سائر الخلق بعد الأنبياء.

<<  <   >  >>