في تاريخ الدعوة السلفية، ومن ثم ستكون رواية ابن بشر موضع الفحص والدراسة في تعرف الشيخ محمد بن عبد الوهاب على فكر ابن تيمية.
لم يرد في رواية ابن بشر في تاريخ نشأة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما يشير إلى توجيه خاص من أحد ممن تلقى العلم على أيديهم إلى دراسة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وإنما تشير إلى أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدافع شخصي ورغبة ذاتية تولدت عنده إلى إعادة الإسلام إلى صفائه ونقائه كما عاشه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكان هذا نتيجة انكبابه على كتب التفسير والحديث وكثرة ملازمته لهما وتأمله لمعانيهما، والمقارنة بين ما جاء فيهما من عقيدة وتشريع، وبين ما عليه العمل بين المسلمين من انحراف عن جادة الإسلام عقيدة وتشريعا. وهذا هو الذي تشير إليه عبارة المؤرخ عثمان بن بشر في قوله السابق:".. وكان رحمه الله في صغره كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام، فشرح الله صدره في معرفة التوحيد وتحقيقه ومعرفة نواقضه المضلة عن طريقه.."١ الخ عبارته، وهو في هذا المنحنى والاتجاه يختلف عن الكثيرين من بني جيله وعصره؛ إذ كانت الأهمية القصوى والتركيز الشديد على دراسة الفقه المذهبي وحفظ نصوصه، وبذلك يكون قد فتح الشيخ محمد بن عبد الوهاب لنفسه آفاقا أوسع هيأته بالفعل لدعوته الإصلاحية التي انتدب نفسه لها.
وأما تعرفه على فكر ابن تيمية وتلميذه ابن القيم خاصة، فمن المهم عرض الحقائق التالية بين يدي هذا الموضوع:
أولا: إن الصلة بين نجد والشام كانت قوية، حيث كانت الأخيرة بالنسبة لبلاد نجد مركزا تجاريا وعلميا في آن واحد، وكان لهذا أثره العلمي الكبير، فالعدد الكبير من علماء نجد تلقوا علومهم وإجازاتهم من علماء الحنابلة بالشام، "وصار من هؤلاء التلاميذ النجديين علماء كبار كالشيخ أحمد بن يحيى بن عطوة تلميذ مؤلف الإنصاف الشيخ على ابن سليمان المرداوي، وصاحب جمع الجوامع الشيخ يوسف بن عبد الهادي، ومن العلماء النجديين الذين تلقوا العلم على حنابلة الشام الشيخ أبو نمي ابن راجح تلميذ الشيخ مرعي