الحنابلة في الوسط العلمي للحنابلة، ولم تكن شهرتهم لدى علماء الحنابلة بنجد بأقل من أي وسط حنبلي آخر.
إلا أن انتماء الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودراسته للمذهب الحنبلي سهل له التعرف على فكر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في وقت مبكر جدا أثناء طلبه للعلم في بلاده مسقط رأسه، ووقوفه على جهادهما ما قوى فيه العزيمة للدعوة إلى الإسلام الصحيح عقيدة وشريعة، فرحل إلى ما رحل من أقطار وهو متشبع بفكر الدعوة الإصلاحية التي أصبح يعيشها فكراً، ووطن نفسه للدعوة لها جهرا، وأن احتكاكه بعلماء السلف بمكة المكرمة والمدينة المنورة زاد من حماسه لها وتفانيه في سبيلها. فأعطته دفعة قوية للاستمرار في اتجاهاته الفكرية العقدية والفقهية، وضاعفت من ملازمته وعكوفه على كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، فتشبع بمنهجهما أسلوبا وفكرا، فورث عنهما خصائصهما العلمية واتجاهاتهما المنهجية والنزعة الاجتهادية.
يتفق السلف والخلف من فقهاء الحنابلة على وجوب الاجتهاد في من تحققت فيه شروطه يقول القاضي أبو يعلى الفراء من متقدمي الحنابلة في كتابه العدة "مسألة في صفة المفتي في الأحكام الذي يحرم عليه التقليد"، ثم يذكر هذه الصفة بقوله:"الذي يحرم عليه التقليد فيها أن يكون عارفا بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومجمله ومحكمه، وعامه وخاصه، ومطلقه ومقيده، وهو المعرفة بما قصد به بيان الأحكام الحلال والحرام، فأما ما قصد به أخبار الأولين وقصص النبيين والوعد والوعيد فلا حاجة به إليه،.. ويعرف أيضا المتقدم والمتأخر، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والمجمل والمفسر، والعام والخاص للمعنى الذي ذكرناه، ويحتاج أن يعرف إجماع أهل الأعصار عصراً بعد عصر؛ لأنه يكون الأصل ما أجمعوا عليه فيرد الفرع إليه، ويحتاج أن يعرف من لغة العرب والإعراب ما يفهم عن الله تعالى وعن رسوله معنى خطابهما، وأن يكون عارفا باستنباط معاني الأصول والطرق الموصلة إليها، ليحكم في الفروع بحكم أصولها، ويكون عارفا بمراتب الأدلة، وما يجب تقديمه منها. فإذا كان بهذه الصفة وجب عليه أن يعمل في الأحكام باجتهاده وحرام عليه تقليد غيره"١.
١ أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد الفرا, العمدة في أصول الفقه. مصور.