للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويأتي شيخ الإسلام ابن تيمية ليقرر هذا المبدأ ويؤكده في أكثر من مؤلف فينقل نص القاضي أبي يعلى فيقره لفظا ومضمونا١، ويعرض هذا الموضوع في فتاويه بأسلوبه وطريقته الخاصة فيقول:

"نقل عن غير واحد الإجماع أنه لا يجوز للعالم أن يقلد غيره إذا كان قد اجتهد واستدل وتبين له الحق الذي جاء به الرسول، فهذا لا يجوز له تقليد من قال خلاف ذلك بلا نزاع"٢.

كما يقرر هذا المبدأ من الحنابلة المتأخرين، أبو العباس أحمد بن عبد العزيز الفتوحي فيقول:

"ويحرم تقليد على مجتهد أداه اجتهاده إلى حكم "٣ وهكذا فإن نصوص الحنابلة متواترة على وجوب الاجتهاد ممن استوفى شروطه وتحققت فيه مؤهلاته.

وإذا كان شيخ الإسلام ابن تيمية يدعو المؤهلين من الفقهاء إلى الاجتهاد وتحريم التقليد، فقد مارسه تأسيسا وترجيحا، بل إن اجتهاداته الفقهية معروفة لدى فقهاء المذاهب الأخرى، وترجيحاته في إطار المذهب الحنبلي مشهورة بين فقهائه معلومة لديهم. ولا شك أن الاجتهاد الفقهي إحدى خصائص التفكير الفقهي عند شيخ الإسلام ابن تيمية، والتي كان لها تأثير كبير على فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يدع الاجتهاد، ولكنه يدعو إليه عندما تختلف الآراء وتتعارض الأقوال، فحينئذ يتوجب الرجوع إلى الكتاب والسنة يستخلص منها الحكم الذي تطمئن إليه نفسه.

ففي جوابه عن سؤال وجه إليه بخصوص الروايات المختلفة عن الإمام أحمد أو تعدد الأقوال عن أصحابه واستدلال كل بدليل يقول:

"إذا اختلف كلام أحمد وكلام أصحابه فنقول: في محل النزاع التراد إلى الله والرسول


١ المسودة, تحقيق محيي الدين عبد الحميد (مصر: مطبعة المدني) ص٥١٤.
٢ فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية, جـ١٩ص٢٦٢.
٣ شرح الكوكب المنير, الطبعة الأولى (مصر: مطبعة السنة المحمدية ١٣٧٢-١٩٥٣) ص٤٠٦.

<<  <   >  >>