للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لا إلى كلام أصحابه، ولا إلى الراجح المرجح من الروايتين والقولين، خطأ قطعا١، وقد يكون صوابا، وقولك: إذا استدل كل منهما بدليل فالأدلة الصحيحة لا تتناقض بل يصدق بعضها بعضا، لكن قد يكون أحدهما أخطأ الدليل لأنه إما استدل بحديث لم يصح، وإما لأنه فهم من كلمة صحيحة مفهوما مخطأ.

وبالجملة فمتى رأيت الاختلاف فرده إلى الله والرسول، فإذا تبين لك الحق فاتبعه، فإن لم يتبين واحتجت إلى العمل فقلد من تثق بعلمه ودينه.. "٢.

والشيخ محمد بن عبد الوهاب وإن لم يؤثر عنه اجتهادات لم يسبق إليها إلا أن منحاه منحى اجتهادي، بمعنى أنه يسلم بالرأي إذا كان يعتمد على استدلال قوي مبني على فهم سليم. وهذا هو الموقف الذي أعلنه ونثره في مؤلفاته ومراسلاته إلى كل من يرغب الوقوف على حقيقة أمره.

فمن ذلك كتابه إلى عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الذي جاء فيه: "ولا خلاف بيني وبينكم أن أهل العلم إذا أجمعوا وجب اتباعهم، وإنما الشأن إذا اختلفوا، هل يجب علي أن أقبل الحق ممن جاء به وأرد المسألة إلى الله والرسول مقتديا بأهل العلم؟ أو أنتحل بعضهم من غير حجة وأزعم أن الصواب في قوله؟ فأنتم على هذا الثاني وهو الذي ذمه الله وسماه شركاً، وهو اتخاذ العلماء أرباباً، وأنا على الأول أدعو إليه وأناظر عليه، فإن كان عندكم حق رجعنا إليه وقبلناه منكم، وإن أردت النظر في أعلام الموقعين فعليك بالمناظرة التي في أثنائه عقدها بين مقلد وصاحب حجة، وإن ألقي في ذهنك أن ابن القيم مبتدع وأن الآيات التي استدل بها ليس هذا معناها فاضرع إلى الله واسأله أن يهديك لما اختلفوا فيه من الحق، وتجرد إلى الله ناظراً أو مناظراً وطلب كلام أهل العلم في زمانه"٣ وعلى أساس هذا المبدأ كان اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب وترجيحه لاختيارات شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية في أكثر الأحيان، وترجيحه لغيرها أحيانا أخرى.

على أن ما خلفه من تراث علمي يشير إلى معرفته بعلم أصول الفقه الذي يعتبر


١ هذا هو نص العبارة ولعل ثمة سقط.
٢ مؤلفات محمد بن عبد الوهاب, مختصر سيرة الرسول والفتاوى, ص٢٧، ٣٢ - ٣٣.
٣ مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب, الرسائل الشخصية القسم الخاص, ص٢٥٤.

<<  <   >  >>