للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(رفع الملام عن الأئمة الأعلام) ، وهذا الكتاب بهذا العنوان يعتبر فريدا في صياغته فريدا في موضوعه، فلئن شاركته كتب أخرى موضوعا إلا أنه مؤلف أساسا وبالذات للدفاع عن الأئمة، وعرض الأسباب التي أدت إلى اختلافهم، ليلتمس لدى القارئ والدارس الأعذار عما قد تحدثه نفسه من إدانتهم في التفرق والاختلاف، وفي نفس الوقت يعرفنا قدر هؤلاء الأئمة والجهد المخلص الذي بذلوه في فهم الكتاب والسنة، وأقتبس هنا جزءا من مقدمة هذا الكتاب لندرك مدى إنصاف ابن تيمية للأئمة الفقهاء وتقديره للتراث العلمي الذي تركوه، فيقول: "وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عن الأمة قبولا عاما، يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل. فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلا بد أن يكون له من عذر في تركه، وجميع الأعذار ثلاثة أصناف:

أحدها: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.

والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.١.

وهذا اعتراف بفضل الأئمة وإنصاف لهم وتقدير لجهودهم العلمية، وهو أقصى المطلوب، ومن ثم فلم يؤثر عن الإمام ابن تيمية قول أو تأليف يمس جانب الأئمة أو يعرض بهم، بل إنه عند الاختلاف يناقش الدليل مناقشة علمية هادئة. ويؤكد ابن تيمية هذا المبدأ في مؤلفاته وكتاباته في أكثر من موضع من هذا قوله:

"وقد اتفق الصحابة على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم في مسائل تنازعوا فيها كمسائل في العبادات، والمناكح، والمواريث، والعطاء، والسياسة وغير ذلك.. وهم الأئمة الذين ثبت بالنصوص أنهم لا يجتمعون على باطل ولا ضلالة، ودل


١ رفع الملام عن الأعلام بنهاية الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف. الطبعة الأولى, جـ١٢-ص٢٩٩- ٣٠٠.

<<  <   >  >>