للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم: "وأما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله" ثم ذكر في الباب أدلة غير هذا فصار الصحيح أنه يجوز. واستدلال من منعه بقوله: في كل أربعين شاة شاة وأمثاله لا يدل على ما أرادوا؛ لأن المراد هو المقصود وقد حصل كما أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر المستجمر بثلاثة أحجار - بل نهى أن ينقص عن ثلاثة أحجار - لم يجمدوا على مجرد اللفظ بل قالوا: إذا استجمر بحجر واحد له ثلاث شعب أجزأه.

ولهذا نظائر أنه يؤمر بالشيء فإذا جاء مثله أو أبلغ منه جاز.

وأما المسألة الثانية: فعن أحمد أن المضاربة لا تصح بالعروض، واختاره جماعة ولم يذكروا على ذلك حجة شرعية نعلمها، وعن أحمد أنه يجوز، وتجعل قيمة العروض وقت العقد رأس المال، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن المضاربة بالمتاع فقال جائز، واختاره جماعة، وهو الصحيح؛ لأن القاعدة في المعاملات أن لا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله لقوله: "وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها" ١.

الأمثلة على هذا الاتجاه الفكري واضحة في مؤلفاته وفتاواه، وهو يعطي معنى الاعتزاز بالتراث الفقهي مع المحافظة على الاستقلال الفكري والشخصية العلمية.

النزعة الانتخابية:

يأتي انسجاما مع المبادئ والمواقف السابقة ظاهرة فكرية أخرى في التفكير الفقهي لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ذلك هو انتخاب الآراء واختيار الأقوال حسب الأصول والأسس السابقة التي اتخذ منها ميزانا ومقياسا للترجيح، ليس هذا فحسب بل إنها واضحة أيضا في مؤلفاته عامة والفقهية خاصة، ولن يكون أقل إثباتا على هذا الاتجاه اختياره لشخصية شيخ الإسلام تقي الدين، أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية مثلا محتذى به، وعنوانا يعتز به من بين أمثلة كثيرة من علماء السلف الصالح. أما انتخابه لقول من الأقوال وترجيحه له ولو خالف المذهب الحنبلي فهو ما توفرت عليه مؤلفاته الفقهية وفتاواه.


١ مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب, القسم الثالث, مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والفتاوى, ص٩٤.

<<  <   >  >>