للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أما الجانب الأول فموقفه من مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها وجه الصواب أنه لا يجوز الإنكار على المخالف أو الاعتراض عليه، وهذا النوع من الاختلاف هو الذي يمكن أن ينطبق عليه الحديث "اختلاف أمتي رحمة" وعلى العكس من ذلك- ما تبين فيه وجه الصواب.

ففي جوابه عن قولهم "لا إنكار في مسائل الاجتهاد ولا على من قلد مجتهدا حيا أو ميتا؟ يقول:

فإن أراد القائل مسائل الخلاف فهذا باطل يخالف إجماع الأمة، فما زال الصحابة ومن بعدهم ينكرون على من خالف وأخطأ كائنا من كان ولو كان أعلم الناس وأتقاهم، وإذا كان الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وأمرنا باتباعه وترك ما خالفه، فمن تمام ذلك أن من خالفه من العلماء مخطئ ينبه على خطئه وينكر عليه، وإن أريد بمسائل الاجتهاد مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب، فهذا كلام صحيح لا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء لكونه مخالفا لمذهبه أو لعادة الناس، فكما لا يجوز للإنسان أن يأمر إلا بعلم لا يجوز أن ينكر إلا بعلم، وهذا كله داخل في قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ١.

إلى أن يقول: (فإذا رأيتم من يعمل ببعض هذه الأقوال المذكورة بالمنع٢ مع كونه قد اتقى الله ما استطاع لم يحل لأحد الإنكار عليه اللهم إلا أن يتبين الحق فلا يحل لأحد أن يتركه لقول أحد من الناس، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلفون في بعض المسائل من غير نكير ما لم يتبين النص.

فينبغي للمؤمن أن يجعل همه وقصده معرفة أمر الله ورسوله في مسائل الخلاف، والعمل بذلك، ويحترم أهل العلم ويوقرهم ولو أخطئوا، لكن لا يتخذهم أربابا من دون الله، هذا طريق المنعم عليهم، وأما اطراح كلامهم وعدم توقيرهم فهو طريق المغضوب عليهم واتخاذهم أربابا من دون الله، وإذا قيل: قال الله قال رسوله قال: هم أعلم منا بهذا هو طريق الضالين"٣.


١ سورة الإسراء آية: ٣٦.
٢ لعل هذه الكلمة (بالمنع) لا معنى لها هنا, وهذا واضح من سياق الكلام.
٣ المصدر نفسه جـ٢ , ص٤.

<<  <   >  >>