للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أما الجانب الثاني: فلعل الأهم من سرد مسائل جزئية الاستدلال بالقواعد الأصولية الاستنباطية التي قررها وأكدها والتي تدخل تحتها فروع ومسائل لا حصر لها، ففي رسالته المعنونة بـ "أربع قواعد تدور عليها الأحكام" يقرر في القاعدة الثانية ما نصه: "القاعدة الثانية: أن كل شيء سكت عنه الشارع فهو عفو لا يحل لأحد أن يحرمه أو يوجبه، أو يستحبه أو يكرهه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} ١ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها" ٢.

وهو في هذا الاتجاه في تأسيس الأحكام يقتفي آثار كبار فقهاء المسلمين أمثال ابن تيمية والشاطبي وغيرهم من الأئمة الذين أثبتوا أفقا واسعا في تفكيرهم الفقهي، فالحكم هو العفو فيما سكت عنه الشارع، فسكوته ليس نسيانا وإنما هو منفذ رحمة وعطف من الله جل وعلا، وبعد تقرير الشيخ للقواعد الأربع التي بدأها أولا بتحريم القول على الله بلا علم.

وثانيا: بأن ما سكت عنه الشارع فهو عفو، وثالثا: التمسك بالدليل الواضح والانصراف عن المتشابه، ورابعا: أن بين الحلال والحرام أمور متشابهة يقدم عليها أمثلة فقهية ويدلل على صحتها بمسائل يقول في نهايتها: "وهذه القواعد تدخل في جميع أنواع العلوم الدينية عامة وفي علم الفقه من كتاب الطهارة إلى باب الإقرار خاصة"٣.

وفي المسألة السابقة صحة المضاربة بالعروض، يعلل لها بقوله:

"لأن القاعدة في المعاملات أن لا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله" لقوله: (وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها) . وهذا الاتجاه الفقهي المرن يغطي كل مسائل المعاملات من هذا النمط، كما تتجلى هذه المرونة بأوضح صورها في تبنيه واختياره لآراء ابن تيمية الذي أبدى مرونة فقهية منقطعة النظير في مجال العقود بالذات.


١ سورة المائدة آية: ١٠١.
٢ المصدر نفسه, ص٣,٤,٥,١٠.
٣ المصدر نفسه, مختصر سيرة الرسول والفتاوى ص٩٤.

<<  <   >  >>