للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

"إن طريقتي في هذا الكتاب النقل عن الإمام أحمد والأصحاب، أعزو إلى كل كتاب ما نقلت منه وأضيف إلى كل عالم ما أروي عنه، فإن كان المذهب ظاهرا أو مشهورا، أو قد اختاره جمهور الأصحاب وجعلوه منصورا، فهذا لا إشكال فيه، وإن كان بعض الأصحاب يدعي خلافه.."١.

ويتحدث ابن بدران عن خصائص هذا الكتاب بقوله: "وطريقته فيه أنه يذكر في المسألة أقوال الأصحاب، ثم يجعل المختار ما قاله الأكثر منهم، سلك في ذلك مسلك قاضي عجلون في تصحيحه لمنهاج النووي وغيره من كتب التصحيح، فسار كتابه مغنيا للمقلد عن سائر كتب المذهب.."٢ وهو معدود في طبقة المتأخرين.

ومن طبيعة الكتابين يتضح أن الأول يهتم بالاختلاف وتعدد الروايات في دائرة الفقه الإسلامي عامة، وينتهي بالاختيار والترجيح، وهو مسلك اجتهادي واسع، يفتح للقارئ مجالات وآفاقا متعددة من التفكير وكسر القيود الفكرية المذهبية، وهو المرتبة الأعلى في التفكير الإسلامي ومطمح كل فقيه لم ينلها مع الاعتراف على مدى الأجيال والعصور الإسلامية إلا عدد محدود، بينما يهتم الكتاب الثاني (الإنصاف) بعرض الروايات والأقوال المتعددة في نطاق المذهب الحنبلي حتى آخر مراحل تطوره، والترجيح بينها، وهذا لا يتيح للباحث تلك الآفاق وإنما يفتح له مجالات التفكير في حدود محصورة تأخذ بيده في النهاية إلى درجة الاجتهاد المذهبي.

فكلا الكتابين يؤهلان الباحث الطموح في النهاية إلى الخروج عن ربقة التقليد المحض إلى آفاق الاجتهاد المحدود واللامحدود.

ومن هنا نستطيع أن نستخلص هدف الشيخ محمد بن عبد الوهاب من تأليفه لهذا الكتاب، ذلك هو فتح مجال للتفكير الفقهي المنطلق بين تلاميذه حتى تتسع صدورهم لمذاهب غيرهم فيجنبهم هذه العصبيات المذهبية، وهي وسيلة مجدية مثمرة في التخفيف من غلوائها في عصور سيطرت فيها على تفكير العالم الإسلامي فأثرت على علاقاتهم العلمية والاجتماعية والسياسية فكان لها أسوأ الآثار.

منهجه وأسلوبه:

عنون كتابه هذا بـ (مختصر الإنصاف والشرح الكبير) ، والاختصار تقريب الشيء


١ أبو سليمان علاء الدين المرداوي, الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف الطبعة الأولى ١٩٧٤ جـ١ , ص١٦.
٢ ابن بدران, ص٢٢٢.

<<  <   >  >>