للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سيما أن التحول عن الوثنية إلى المسيحية لم يكن إنتقالاً إلى جو غريب تمام الغرابة، أو شعوراً بانقلاب باغت مفاجئ، بل بدا الولوج في المسيحية عملية رفيقه في كثير من التدرج الشعوري العاطفي، إذ شابهت طقوس الديانة المسيحية وأسرارها المقدسة ما للديانة القديمة من طقوس وأسرار، كما اشتملت تعاليمها على تعاليم الأفلاطونية الحديثة، ١ يضاف إلى ذلك أن القول بوجود واسطة بين الله والناس أمر مألوف عند الفرس وأهل الأفلاطونية الحديثة٢ سواء٣".

وفي نفس الموضوع يقول "شارل جنيبر " رئيس قسم تاريخ الأديان في جامعة باريس: " إن المسيحية لم تكن تستطيع مدافعة أمام هذه النزعات والشعائر السائدة، وإذا كانت - أي النصرانية- قد انتصرت في القرن الثالث على سائر ألوان "التأليف" الديني الوثني، فذلك لأنها كانت قد تطورت هي الأخرى إلى تأليف ديني تجتمع فيه سائر العقائد الخصبة والشعائر الجوهرية النابعة من العاطفة الدينية الوثنية، قامت هي -أي النصرانية - بترتيبها، وتركيبها، وأضفت عليها الإنسجام الذي تفتقر إليه، بحيث استطاعت أن تقف مفردها أمام أشتات المعتقدات والشعائر التي يؤمن بها أعداؤها دون أن تظهر ضعفاً أو نقصاً عليها في أي من المجالات الهامة.


١ الأفلاطونية الحديثة: هي فلسفة دينيه ذهبت إلى احتواء المعتقدات السائدة والأساطير، والطقوس، وعبادات الشرق، والسحر، والكيمياء القديمة. انظر: الموسوعة الفلسفية ص٥٦.
٢ " أفلوطين " مؤسس الأفلاطونية الحديثة جعل الخلق والوجود المادي منبثقاً وصادراً عن الأول وهو الله. "وفيلون اليهودي أكبر من تنسب إليه الأفلاطونية الحديثة قال: بفكرة الوسيط بين المبدع الأول وهو "الله" وبين الخلق. انظر: موسوعة الفلسفة (١/١٩١) .
٣ فيشر، تاريخ أوروبا في العصور الوسطى ص٧-٨.

<<  <   >  >>