إن علم الجرح والتعديل من أصعب علوم الحديث، فلا يقدم على الخوض فيه إلاّ من اتصف بسعة الاطلاع في الأخبار المروية ورواتها، عارفاً بأحوال أولئك الرواة ومقاصدهم، وطرق مروياتهم، وبالأسباب الداعية إلى التساهل أو الانحراف عند بعضهم، إضافة إلى معلومات حديثية أخرى، كمعرفة سنة ولادة الراوي، ووفاته وممن سمع ومن أخذ عنه، وكيف كانت كتبه هل هي صحيحة أولا، إلى غير ذلك مما لا بد منه في هذا الميدان.
والناقد لا بد وأن يكون أيضاً ذا فهم حاد ويقظة، واعياً لكل ما ينطق به في هذا المجال، لا يستفزه غضب ولا يستميله هوى، ولا يتجاوز في حكمه على أحد فيصدر حكمه بأمانة علمية.
وهذه المرتبة من العلم صعبة المرتقى وشائك سبيلها، لا ينالها إلاّ من سهل الله سبيل الوصول إليها، فلم يبلغها إلاّ الأفذاذ ممن بزوا أقرانهم، فكم من عالم لا يعوّل على ما يقوله في هذا الفن. قال ابن المديني رحمه الله:"أبو نعيم وعفان - يعني الفضل بن دكين، وعفان بن مسلم - لا أَقْبَلُ كَلامَهُمَا فِي الرِّجَالِ هَؤُلاءِ لا يَدْعُونَ أَحَدًا إِلا وقعوا فيه"١. وأبو نعيم وعفان من كبار المحدثين، وممن نالوا شهرة بالغة، ولكنهم مع ذلك لا يلتفت إلى تجريحهم أو تعديلهم في