للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرواة على أن عبارة ابن المديني تفيد أنهما ممن أكثر في النقد، لكنا لا نجد مما قالوه في كتب هذا الفن إلاّ القليل النادر مع كثرتها، إذ أغفلت ما صدر عنهم.

وقد نبغ في هذا الفن أناس يدين لهم به كل منصف أمين لما قدموه من خدمة بالغة الأهمية لا يستطيع غيرهم أن يسديها، فاستسهلوا من أجل ذلك الصعب بدافع ديني نبيل وفطري سليم، وكان من بين هؤلاء إمامنا الجليل أبو داود السجستاني - رحمه الله - وقد نوّه الأئمة بفضل هؤلاء النقاد وأشادوا بجهدهم الكريم في مقدمات كتبهم التي ألفوها في هذا الميدان كابن أبي حاتم وابن عدي، والذهبي وغيرهم، وكم كان بودي أن أعثر على ذكر لأبي داود فيمن ذكر ليكون ذلك عوناً لي في بحثي هذا، ولكني لم أر من ذكره كناقد فيمن ذكر من ذوي الشأن، ولا أقول هذا اعتراضاً عليهم، فالقوم لم يلزموا أنفسهم بذكر سائر النقاد، ولكن قد يظن بعضهم أن عدم ذكر من هم مثل أبي داود في تعداد أولئك إنما هو للتقليل من شأنهم، أو لأنهم لم يبلغوا مرتبة في هذا الفن يستحق من أجلها أن يذكروا في مصاف النقّاد الكبار. الواقع غير ذلك، فإنني أستطيع الجزم بأن أبا داود من كبار النقاد ومن الذين شاركوا في إنشاء أسس هذا الفن، وليس من حقي أن أغمط كلاً من السخاوي والسبكي - رحمهما الله - حقه. ففي ذكرهما لطبقات النقّاد ذكرا أبا داود في الطبقة التي تلي طبقة الإمام أحمد١. وتجدر الإشارة إلى أنني لم أعثر على أي بحث مستقل حول أبي داود في النقد فيما اطلعت عليه.

وأكبر الشواهد على إمامته وأكثرها وضوحاً هذا الكتاب الذي بين أيدينا الآن إذ يحتوي على الآلاف ممن تكلم فيهم أبو داود بجرح أو تعديل، أو غير ذلك سواء كان من اجتهاده، أو آثراً عن شيوخه، بالإضافة إلى معلومات حديثية أخرى. ولم يختصر - رحمه الله - على نقد رواة أهل مصر معين، كلا، بل تكلم في رواة الحديث من سائر البلاد الإسلامية، وفي هذا الكتاب رواة الحديث من بغداد والكوفة، والبصرة ودمشق، والثغور وأيلة والجزيرة، وبلاد أخرى كثيرة، ولكم


١ الإعلان بالتوبيخ ١٦٥، طبقات الشافعية للسبكي ١/٣١٦.

<<  <   >  >>