يحكم من خلاله على الرواة، فكأني أقول ما مدى موافقة أبي داود لخلاصة أقوال الأئمة؟ وهو ما فعله ابن حجر فكان قوله وسطاً على وجه التغليب.
وقبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أشير إلى أن الأقدمين قد استخدموا عبارات لها مدلولات تختلف عما اصطلح عليه المتأخرون في العبارات ذاتها. فالثقة مثلاً عند المتقدمين أعم مما اصطلح عليه المتأخرون الذهبي وابن حجر مثلاً، فهي تشمل الصدوق عند المتأخرين أيضاً، فيراعى هذا، وقد قمت بتتبع عبارات أبي داود في هذا الجزء المحقق وقارنتها بقول ابن حجر، وقلما يخالف أحدهما الآخر. كما أنهما يتفقان في الغالب فيما يقال فيه ثقة، وأحياناً يكون ما هو ثقة عند أبي داود صدوقاً عند ابن حجر، وقد يكون ثبتاً أو ثقة حافظاً، وكثيراً ما يتفقان على ما يقال فيه لا بأس به أو صدوق.
وهذا مما يوضح لنا مدى الاعتدال الذي نهجه أبو داود رحمه الله تعالى.
منهج أبي داود في النقد:
اتبع النقاد في نقدهم لرواة الحديث مناهج متعددة تمكنوا بواسطتها الكشف عن أحوال الرواة، والوقوف على صحيح مروياتهم من سقيمها، وقد شارك أبو داود - رحمه الله - بنصيب كبير في تحديد المنهج النقدي عند المحدثين، ويمكن تلخيص منهجه في النقاط التالية:
١- النزاهة العلمية:
تمتع أبو داود - رحمه الله - بنزاهة علمية رفيعة ولا غرابة، فقد نشأ منذ نعومة أظفاره نشأة علمية سليمة، مبتغياً وجه الله تعالى، متمسكاً بما يمليه عليه دينه الحنيف من استقامة لا عوج فيها ولا انحراف، فما يصدر حكماً على راوٍ إلا لتحديد موقف الناس منه ببيان حقيقة أمره، فلا مجال لهوى يتبع، فلا يذكر الراوي إلا بما فيه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، لا فرق في ذلك بين قريب وبعيد، وها هو - رحمه الله - يجرح ابنه ويرميه بالكذب لأنه يرى أنه ليس أهلاً