للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا تضعيف ثقة، ولهذا كان مذهب النسائي، أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه".

٢- وقسم منهم متمسح كالترمذي والحاكم.

٣- وقسم معتدل كأحمد والدارقطني وابن عدي١.

قلت: وبعد التمحيص والتدقيق في أقوال أبي داود في الرواة ومقارنتي لها بأقوال الأئمة أكاد أجزم بأن أبا داود كان من القسم الثالث، أعني من وصف بالاعتدال، فلم يكن - رحمه الله - متشدداً في توثيق الرواة متساهلاً في تجريحهم، ولا ممن تعنت فجرح من كان ثقة، أو ممن تساهل فوثق من كان مجروحاً، بل راعى في أحكامه مناهج أهل الاعتدال. ولقد تأثر بمنهج شيخه الإمام أحمد تأثراً كبيراً ظهرت نتائجه في سمته وعلمه ومنهاجه.

قد يسأل سائل فيقول: "فما مدى تأثره بمنهج شيخه ابن معين وهو من المتشددين في النقد؟ " أقول: إن ابن معين - رحمه الله - قد شارك بقدر كبير في نشأة أبي داود العلمية، فلما بلغ أبو داود - رحمه الله - مبلغاً علمياً رفيعاً مكنه من النظر في الأمور بدقة، نهج منهج أهل الاعتدال لأنه يستقيم مع معلوماته ودرايته، فكان قريباً كل القرب من منهج شيخه أحمد بن حنبل، وإن كان هذا لايمنعه من استعراض بعض آراء شيخه ابن معين والأخذ بها، وقد يتابعه فيما ينفرد فيه أحياناً وهذا قليل.

وبين يديّ قضية أود أن أطرحها، وهي ما مدى اتفاق أقوال أبي داود مع أقوال الحافظ ابن حجر في التقريب؟ سؤال قد يبدو غريباً لأول وهلة، فأبو داود ممن شاركوا في وضع أسس هذا الفن، وإمام له اجتهاده الخاص في حين أن ابن حجر لم يكن كذلك، أقول هذا حق، ولكن ابن حجر في التقريب خرج بخلاصة أقوال الأئمة بعبارة ذات مدلول معين مراعياً في ذلك قول من عرف بالتعنت أو التساهل، ومن جرح ببينة أو مجرد قول قيل، فخرج بقول وسط


١ الإعلان بالتوبيخ ١٦٧، والرفع والتكميل ١٨١.

<<  <   >  >>