للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

"فأفطري" ١. وهذا الحديث ثابت في الصحيح، وفيه دليل على أن صيام يوم السبت جائز ليس فيه بأس، وهنا قال بعض العلماء: إن حديث النهي عن صيام يوم السبت شاذ؛ لأنه مخالف لما هو أرجح منه، ومن العلماء من قال: لا مخالفة هنا، وذلك لإمكان الجمع، وإذا أمكن الجمع فلا مخالفة، والجمع بين الحديثين أن يقال: إن النهي كان عن إفراده، أي أنه نُهي عن صوم يوم السبت مستقلاً بمفرده، أما إذا صامه مع يوم الجمعة، أو مع يوم الأحد فلا بأس به حينئذ، ومن المعلوم أنه إذا أمكن الجمع فلا مخالفة ولا شذوذ.

ومن الشذوذ: أن يخالف ما عُلم بالضرورة من الدين.

مثاله: في صحيح البخاري رواية "أنه يبقى في النار فضلٌ عمن دخلها من أهل الدنيا، فيُنشىء الله لها أقواماً فيدخلهم النار" ٢.

فهذا الحديث وإن كان متصل السند فهو شاذ؛ لأنه مخالف لما عُلم بالضرورة من الدين، وهو أن الله تعالى لا يظلم أحداً، وهذه الرواية - في الحقيقة - قد انقلبت على الراوي، والصواب أنه يبقي في الجنة فضلٌ عمن دخلها من أهل الدنيا، فيُنشىء الله أقواماً فيدخلهم الجنة، وهذا فضل ليس فيه ظلم، أما الأول ففيه ظلم.

على كل حال فلابد لصحة الحديث ألا يكون شاذًّا.

ولو أن رجلاً ثقة عدلاً روى حديثاً على وجه، ثم رواه رجلان مثله في العدالة على وجه مخالف للأول، فماذا نقول للأول؟

نقول: الحديث الأول شاذ، فلا يكون صحيحاً وإن رواه العدل


١ أخرجه البخاري كتاب الصوم باب صوم يوم الجمعة ١٩٨٤.
٢ أخرجه البخاري كتاب التوحيد باب قوله سبحانه: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ٧٣٨٤.

<<  <   >  >>