للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال مجاهد: "عرضتُ المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقف عند كل آية وأسأله عن تفسيرها"١.

ولا منافاة بين القولين عند التحقيق؛ فإن لفظ "التأويل" قد صار بتعدد الاصطلاحات مستعملاً في ثلاثة معان:

• أحدها: ـ وهو اصطلاح كثير من المتأخرين المتكلمين في الفقه وأصوله ـ أن التأويل هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به؛ وهذا هو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل نصوص الصفات وترك تأويلها، وهل هذا محمودٌ أو مذموم؟ وحقٌ أو باطل؟.

• والثاني: أن التأويل بمعنى التفسير، وهذا هو الغالب على اصطلاح مفسري القرآن، كما يقول ابن جرير وأمثاله المصنِّفين في التفسير: "واختلف علماء التأويل". ومجاهد إمام المفسرين، قال الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به٢.

وعلى تفسيره يعتمد الشافعي، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وغيرهم، فإذا ذكر أنه يعلم تأويل المتشابه، فالمراد به معرفة تفسيره.

• الثالث: من معاني التأويل هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام كما قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَق} [الأعراف: ٥٣] .

فتأويل ما في القرآن من أخبار المعاد هو ما أخبر الله تعالى به فيه، مما يكون من القيامة والحساب والجزاء والجنة والنار ونحو ذلك، كما قال في قصة يوسف لما سجد أبواه وإخوته: {وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْل} [يوسف: ١..] ، فجعل عين ما وجد في الخارج هو تأويل الرؤيا.

فالتأويل الثاني هو تفسير الكلام، وهو الكلام الذي يفسَّر به اللفظ حتى


١ ذكره أيضاً الطبري في مقدمة تفسيره (١/٩.) .
٢ المرجع السابق (١/٩١) .

<<  <   >  >>