للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يُفهم معناه أو تُعرَف علته أو دليله، وهذا التأويل الثالث هو عين ما هو موجود في الخارج، ومنه قول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" يتأول القرآن١. تعني قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْه} [النصر: ٣] ، وقول سفيان بن عيينة: السنة هي تأويل الأمر والنهي.

فإن نفس الفعل المأمور به هو تأويل الأمر، ونفس الموجود المخبَر عنه هو تأويل الخبر، والكلام خبر وأمر، ولهذا يقول أبو عبيد وغيره: الفقهاء أعلم بالتأويل من أهل اللغة، كما ذكروا ذلك في تفسر اشتمال الصَّمَّاء؛ لأن الفقهاء يعلمون نفس ما أُمر به ونفس ما نُهي عنه، لعلمهم بمقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يعلم أتباع أبقراط وسيبويه ونحوهما من مقاصدهم ما لا يُعلم بمجرد اللغة، ولكن تأويل الأمر والنهي لابد من معرفته بخلاف تأويل الخبر.

إذا عُرف ذلك؛ فتأويل ما أخبر به عن نفسه المقدَّسة الغنية بما لها من حقائق الأسماء والصفات هو حقيقة نفسه المقدّسة المتصفة بما لها من حقائق الصفات، وتأويل ما أخبر الله به من الوعد والوعيد هو نفس ما يكون من الوعد والوعيد.

ولهذا ما يجيء في الحديث نعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه؛ لأن ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر فيه ألفاظ متشابهة؛ تشبه معانيها ما نعلمه في الدنيا، كما أخبر أن في الجنة لحماََ ًولبناً وعسلاً وماء وخمراً ونحو ذلك، وهذا يشبه ما في الدنيا لفظاً ومعنى، ولكن ليس هو مثله، ولا حقيقته كحقيقته.

فأسماء الله تعالى وصفاته أَوْلَى ـ وإن كان بينها وبين أسماء العباد وصفاتهم تشابه ـ أن لا يكون لأجلها الخالق مثل المخلوق، ولا حقيقته كحقيقته.

والإخبار عن الغائب لا يُفهَم إن لم يُعبَّر عنه بالأسماء المعلومة معانيها في


١ متفق عليه: صحيح البخاري (٢/٢٩٩ برقم ٨١٧) وصحيح مسلم (٣/١٣ـ١٣١)

<<  <   >  >>