للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الشاهد، ويُعلم بها ما في الغائب بواسطة العلم بما في الشاهد، مع العلم بالفارق المميِّز، وأن ما أخبر الله به من الغيب أعظم مما يُعلَم في الشاهد.

وفي الغائب ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر١، فنحن إذا أخبرنا الله بالغيب الذي اختص به من الجنة والنار، علمنا معنى ذلك، وفهمنا ما أريد منا فهمه بذلك الخطاب، وفسّرنا ذلك، وأما نفس الحقيقة المخبَر عنها، مثل التي لم تكن بعد، وإنما تكون يوم القيامة، فذلك من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله.

ولهذا لما سُئل مالكٌ وغيره من السلف عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] قالوا: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وكذلك قال ربيعة شيخ مالك قبله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ومن الله البيان، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا الإيمان. فبيَّن أن الاستواء معلوم، وأن كيفية ذلك مجهولة.

ومثل هذا يوجد كثيراً في كلام السلف والأئمة، ينفون علم العباد بكيفية صفات الله، وأنه لا يعلم كيف الله إلا الله، فلا يعلم ما هو إلا هو، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" وهذا في صحيح مسلم٢. وغيره.

وقال في الحديث الآخر: "اللهم إني أسالك بكل اسم هو لك، سميتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك"، وهذا الحديث في المسند وصحيح ابن حبان٣. وقد


١ متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. صحيح البخاري ٨\٥١٥ـ٥١٦برقم ٤٧٧٩ـ٤٧٨.، صحيح مسلم (٤\٢١٧٤ـ٢١٧٥ برقم ٢٨٢٤) .
٢ صحيح مسلم (١/٣٥٢ برقم ٤٨٦) من حديث عائشة رضي الله عنها، وعلي رضي الله عنه.
٣ المسند (٥/٢٦٦ ـ ٢٦٨ برقم ٣٧١٢) و (٦/١٥٣ـ ١٥٤ برقم ٤٣١٨) وصحيح ابن حبان (موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان) ص٥٨٩ برقم ٢٣٧٢ من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

<<  <   >  >>