للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، فقال: "لبيك اللهم لبيك، [لبيك] لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" ١.

وقد ذكر أرباب المقالات ما جمعوا من مقالات الأولين والآخرين في الملل والنحل والآراء والديانات، فلم ينقلوا عن أحد إثبات شريك مشارك له في خلق جميع المخلوقات، ولا مماثل له في جميع الصفات، بل من أعظم ما نقلوا في ذلك قول الثنوية، الذين يقولون بالأصلين: النور والظلمة، وأن النور خلق الخبر، والظلمة خلقت الشر، ثم ذكروا لهم في الظلمة قولين: أحدهما أنها محدثة، فتكون من جملة المخلوقات له، والثاني أنها قديمة، لكنها لم تفعل إلا الشر، فكانت ناقصة في ذاتها وصفاتها ومفعولاتها عن النور.

وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن المشركين من إقرارهم بأن الله خالق المخلوقات ما بيّنه في كتابه، فقال تعالى: {وَلَئِنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أفَرَأيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أوْ أرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: ٣٨] ، وقال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: ٨٤ ـ ٨٩] إلى قوله: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون:٩١] ، وقد قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: ١٠٦] .

وبهذا وغيره يعرف ما وقع من الغلط في مسمى (التوحيد) ، فإن عامة المتكلمين الذين يقرّرون التوحيد في كتب الكلام والنظر ـ غايتهم أن يجعلوا


١ أخرجه مسلم في صحيحه (٢/٨٤٣ برقم ١١٨٥) و (٢/٨٨٦ـ٨٩٢) .

<<  <   >  >>