وأخذت تلك الظاهرة تتسع حتى عمَّت وطمَّت، وبلغت ذروتها في القرون المتأخرة، حتى أنه في مطلع القرن الثالث عشر الهجري أحدثت شدة التعصب المذهبي والتقليد الأعمى ردة فعل معاكسة تماماً، فنادى بعض علماء ذلك القرن كالشيخ محمد بن علي الشوكاني (ت ١٢٥٥ هـ) بنَبْذِ كل المذاهب والأخذ مباشرة من الكتاب والسنة، وألف في ذلك كتابه المشهور "الدرر البهية" ثم شرحه في كتابه "الدراري المضية"، وألف "القول المفيد في حكم التقليد" وذلك لشدة ما كان عليه المقلِّدة والمتعصِّبة في ذلك الزمان وما لقيه رحمه الله وأمثاله من العلماء من شر هؤلاء المقلدين المتعصبين، ولم تزل الدعوة إلى نبذ المذاهب وحربها تتسع حتى بلغت ذروتها في هذا العصر، فنادى أصحابها بإطلاق الاجتهاد في الأخذ من الكتاب والسنة لكلِّ من هبَّ ودبَّ حتى لصغار الطلبة بل حتى العوام، فأنتج هذا الاجتهاد المطلق فوضى علمية لا نظير لها حتى أُلغي فيها كل معنى صحيح، وفهم سليم للتمذهب عند السلف كما ذكره الإمام