للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال المأمون: الله أكبر كنت يا هذا قد خلطت على الأمر منذ اليوم وكنت حسبتك بدويا، ثم تأملت شعرك، فإذا هو من معاني المتحضرين، وإذا أنت منهم.

وحين بلغ أبا تمام نَعْيُ محمد بن حميد الطوسي، غمس طرف ردائه في مداد، ثم ضرب به كتفيه وصدره، وأنشد قصيدته المشهورة، التي تعد من أمهات قصائد الرثاء والتي مطلعها:

كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر ... فليس لعين لم يفض ماؤها عذر

وهذا يدل على إدراك الشعراء لطبيعة الموقف، وما يحتاجه الإلقاء من تهييء خاص يناسب المقام، فالرثاء له موقف وهيئة بل إن الخلفاء كان يروقهم أن يقف المنشدون أمامهم في بزة شائقة، وهيئة حسنة، وأن لباس الأعراب كان محببا إليهم، أثيرا لديهم، كما كان أثيرا لدى الشعراء أنفسهم١.

وكان شاعر البادية الشيخ محمد عبد المطلب، كثيرا ما يشند شعره في المحافل وقد لبس: الكوفية والعقال تذكيرا بأسلافنا الأُوَل، فكان ذلك يزيد في هيبته ويجعله ملء البصائر والأبصار٢.

عادة الشعراء:

للشعراء عادات في إلقائهم عُرفوا بها قديما وحديثا، وكانت تلازمهم: فالخنساء كانت تهتز في مشيتها وتنظر في أعطافها، وصنعت ذلك حين أنشدت قصيدتها الرائية التي تقول فيها:

وَإِنَّ صَخراً لَتَأتَمَّ الهُداةُ بِهِ ... كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأسِهِ نارُ


١ راجع في ذلك: الشعراء وإنشاد الشعر: على الجندي، ص: ٣٥- ٤١.
٢ الشعراء وإنشاد الشعر: علي الجندي، ص: ٤٢.

<<  <   >  >>