التنعيم بها ليس هو حقيقة واحدة مستوية في بنى آدم بل هم متفاوتون في قدرها ووصفها تفاوتا عظيما
فإن من الناس من يتنعم بنوع من الأطعمة والأشربة الذي يتأذي بها غيره إما لاعتياده ببلده وإما لموافقته مزاجه وإما لغير ذلك
ومن الناس من يتنعم بنوع من المناكح لا يحبها غيره كمن سكن البلاد الجنوبية فإنه يتنعم بنكاح السمر ومن سكن البلاد الشمالية فإنه يتنعم بنكاح البيض
وكذلك اللباس والمساكن فإن أقواما يتنعمون من البرد بما يتأذي به غيرهم وأقواما يتنعمون من المساكن بما يتأذي به غيرهم بحسب العادة والطباع
وكذلك الأزمنة فإنه في الشتاء يتنعم الإنسان بالحر وفي الصيف يتنعم بالبرد
وأصل ذلك أن التنعم في الدنيا بحسب الحاجة إليها والانتفاع بها فكل ما كانت الحاجة أقوي والمنفعة أكثر كان التنعم واللذة أكمل والله قد أباح للمؤمنين الطيبات
فالذين يقتصدون في المآكل نعيمهم بها أكثر من نعيم المسرفين فيها فإن أولئك إذا أدمنوها وألفوها لا يبقي لهذا عندهم كبير لذة مع أنهم قد لا يصبرون عنها وتكثر أمراضهم بسببها