[الأمور الغائبة لاتعرف ولاتحب ولا تبغض إلا بنوع من القياس والتمثيل]
...
من جاع فإنه لا يشتهي شيئا معينا إلا أن يكون ذاقه قبل ذلك ولكن يجد طلبا لما يزيل به ألم الجوع ولهذا إذا حضر عنده ماقد ذاقه قبل ذلك ومالم يذقه قبل ذلك اشتاق إلى الأول وأحبه وكان شوقه إلى الثاني ومحبته إياه مشروطا بذوقه إياه وسماع وصفه ممن يخبره فإن سماع الوصف يورث المحبة والشوق كما يورث العلم كما قيل:
والأذن تعشق قبل العين أحيانا
لكون النفس ذاقت طعم الحب لما هو من نظير لذلك أو شبيه به ولو من وجه بعيد فكما أن الشيء لا يتصور إلا بعد الحس به أو بما فيه شبه به من بعض الوجوه فكذلك لا يحب كذلك
ولهذا ضربت الأمثال للتعريف والترغيب والترهيب فإن الأمور الغائبة عن المشاهدة والإحساس لا تعرف وتحب وتبغض إلا بنوع من التمثيل والقياس سواء كان الغائب أكمل في الصفات المطلوبة المشتركة كالموعود به من أمر الجنة والنار وكما يصف به الرب نفسه سبحانه وتعالى أو ما كان دون ذلك كما مثل من الأمور بما هو أكمل منه
ومن هنا ضل من ضل من الصابئة المتفلسفة ومن أضلوه من أهل الملل حيث ظنوا أن ما وصف الله به من الجنة والنار إنما هي أمثال مضروبة لتفهيم المعاد الروحاني من غير أن تكون حقائق وضل من رد عليهم من نفاة أهل الكلام كما