وإذا كان كل عمل عن محبة وإرادة والترك يكون عن بغض وكراهة وكل أحد همام حارث له حب وبغض لا يخلو الحي عنهما وعمله يتبع حبه وبغضه ثم قد يكون ذلك في أمور هي له عادة وخلق وقد يكون في أمور عارضة لازمة علم أن كل طائفة من بني آدم لا بد لهم من دين يجمعهم إذ لا غني لبعضهم عن بعض وأحدهم لا يستقل بجلب منفعته ودفع مضرته فلا بد من اجتماعهم وإذا اجتمعوا فلا بد أن يشتركوا في اجتلاب ما ينفعهم كلهم مثل طلب نزول المطر وذلك محبتهم له وفي دفع ما يضرهم مثل عدوهم وذلك بغضهم له فصار ولا بد أن يشتركوا في محبة شيء عام وبغض شيء عام وهذا هو دينهم المشترك العام
وإما اختصاص كل منهم بمحبة ما يأكله ويشربه وينكحه وطلب ما يستره باللباس فهذا يشتركون في نوعه لا في شخصه بل كل منهم يحب نظير ما يحبه الآخر لا عينه بل كل منهم لا ينتفع في أكله وشربه ونكاحه ولباسه بعين ما ينتفع به الآخر بل بنظيره
وهكذا هي الأمور السماوية في الحقيقة فإن عين المطر الذي ينزل في أرض هذا ليس هو عين الذي ينزل في أرض هذا ولكن نظيره ولا عين الهواء البارد الذي يصيب جسد أحدهم قد لا يكون نفس عين الهواء البارد الذي يصيب جسد الآخر بل نظيره