يزعم أن جبريل ينزل عليه، أحدث فتنا بين المسلمين في العراق وغيره، قتله مصعب بن الزبير سنة ٦٧?، ومن صنيع هؤلاء المطالبين بالإسناد وغيرهم في هذه المرحلة المبكرة سيستلهم نقاد التابعين وأتباعهم أهمية الإسناد في الرواية، وسيبينون للناس شأنه وضرورته، كما وجدنا ذلك عند الأئمة الزهري وابن المبارك ومالك وشعبة وغيرهم.
هكذا استمرت العناية بالحديث النبوي تقيه من التحريف، فظهر نقاد بدؤوا في نقد بعض الرواة وتنبيه الناس لعدم أهليتهم للرواية، من هؤلاء النقاد الحسن البصري الذي تكلم في عطاء الخراساني وعكرمة مولى ابن عباس، ومنهم سعيد بن جبير الذي تكلم في نافع مولى ابن عمر، ومنهم عطاء بن أبي رباح، وعروة بن الزبير، وعبد الرحم?ن الأعرج وأبو صالح ذكوان بن صالح السمان وابن سيرين. قال الإمام الذهبي:"وأول من زكّى وجرّح، عند انقراض عصر الصحابة: الشعبي وابن سيرين ونحوهما، حفظ عنهم توثيق أناس وتضعيف آخرين"(١) .
لكن الأمر لم يكن كثيرا غالبا لقلة الكذب وقلة تعمد التغيير والتبديل، فلم تكن ساحة الكذب كبيرة فما زال الإيمان غالبا على النفوس متمكنا منها ومانعا الناس من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوير شريعته. قال الإمام الذهبي: "وأما التابعون فيكاد يُعدم فيهم من يكذب عمدا ولكن لهم غلط وأوهام، فمن ندر غلطه في جنب ما قد جَلّ احتُمل، ومن تعدّد غلطه من أوعية العلم، اغتُفِر له أيضا، ونُقل حديثه وعُمل به على تردد
(١) معرفة من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، ص ٤٥-٤٦.