للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذا الشأن، فقيل له: ولا هشيم؟ فقال: "هشيم شيخ، وما رأينا مثل يحيى"، وجَعَلَ يرفع أمره (١) .

بل لقد بلغ من مكانته ومعرفته بأحوال الرواة أن كان شعبة بن الحجاج يرتضيه حكما بينه وبين طلبة الحديث إذا اختلف معهم في مسألة من المسائل، فقد روى ابن أبي حاتم أن طلبة الحديث اختلفوا يوما عند شعبة فقالوا: اجعل بيننا وبينك حكما، فقال: قد رضيت بالأحول -يعني يحيى بن سعيد القطان- فلما حضر تحاكموا إليه، فقضى على شعبة، فقال شعبة: ومن يطيق نقدك (٢) . وهذه غاية المنزلة كما قال ابن أبي حاتم إذ اختاره شعبة من بين أهل العلم، ثم بلغ من ثقته بنفسه وصلابته في دينه أن قضى على شعبة.

وما كان لهذا الجهبذ أن يصل إلى هذا الشأو الكبير في معرفة أحوال الرواة ومروياتهم، وكشف علل الأحاديث وخللها، دون أن يصرف الأيام والشهور، بل السنين الطوال في ملازمة العلماء والشيوخ ينهل منهم العلم والمعارف المختلفة، فقد صرح بأنه اختلف إلى شعبة سنة (٣) . وحرصاً على طلب العلم والصبر عليه، فقد كان يخرج من البيت لطلب الحديث فلا يرجع إلا بعد العتمة (٤) .

ولم تكن هذه الجهود المتواصلة لتذهب سدى، بل لقد أثمرت ثمارها


(١) المصدر نفسه ٢٣٣.
(٢) المصدر نفسه ٢٣٢ وانظر أيضا تذكرة الحفاظ ١/٢٩٩.
(٣) تقدمة المعرفة ٢٤٩.
(٤) المصدر نفسه ص: ٢٤٩-٢٥٠.

<<  <   >  >>