للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ألفاظها وتوجيهها بحمد الله تعالى)) .

وهكذا اشتغل النحاة بتوجيه القراءات القرآنية، وليس غريباً أن يكون النحاة الأوائل الذين بنَوا صَرْحَ هذا العلم هم من القرَّاء كأبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر والخليل بن أحمد، ولعلَّ اهتمامهم بهذه القراءات دفعهم إلى الدراسة النحوية المفصَّلة؛ لكي يلائموا بين ما سمعوا من القراءات وما روَوْه من كلام العرب (١) .

وقد اجترأ بعض النحاة والمفسرين على تضعيف طائفة من القراءات المتواترة، التي خالفَتْ أصولهم المقررة في اللغة أو النحو والصرف، كما اجترؤوا على رَمْيها بالتخطئة، أو الخروج عن سنن العربية؛ ممَّا جعل فريقاً آخر من النحاة يَرُدُّون عليهم، ويُثْبتون خطأ هذا المنهج في التسرُّع إلى تضعيف قراءات تشتمل على شروط القراءة المتواترة. وفي هذا الإثبات والردِّ على المتسرِّعين مَحْمَدة حَفِظت لهذه القراءات هيبتَها، واستنادها إلى وجه صحيح، فالحكم على رَفْض ما تواتر بحجةٍ واهية ليس بالأمر السهل، وبذلك أصبح علم توجيه القراءات علماً أصيلاً يَرُدُّ على الطاعنين، ويجيب عن تعليلها الذي يُبَيِّن وجهها في المعنى أو الصناعة. ومن ذلك (٢) قوله تعالى {إِلَى بَارِئِكُمْ} (البقرة: ٥٤) فقد رُوي عن أبي عمرو بن العلاء في الهمزة الكسر والاختلاس، وهو الإتيان بحركة خفيَّة، والسكون المحض، وهذه الأخيرة قد


(١) انظر أثر القراءات في الدراسات النحوية ٥٥.
(٢) الدر المصون ١ / ٣٦١.

<<  <   >  >>