للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

طعن عليها جماعة من النحويين، وَنَسبوا راويَها إلى الغلط على أبي عمرو. قال سيبويه (١) : ((إنما اختلس أبو عمرو فظنَّه الراوي سكَّن ولم يضبط)) . وقال المبرد: ((ولا يجوز التسكين مع توالي الحركات في حرف الإعراب في كلام ولا شعر، وقراءة أبي عمرو لحن)) .

وبعد أن عرض السمين أقوالهم في تلحين القراءة وتضعيفها ينبري للردِّ عليهم، وتوجيهِ قراءة أبي عمرو، فيقول: ((وهذه جرأةٌ من المبرد وجَهْلٌ بأشعار العرب؛ فإن السكون في حركات الإعراب قد ورد في الشعر كثيراً، ومنه قول امرئ القيس (٢) :

فاليومَ أشربْ غير مُسْتَحْقِبٍ ... إثماً من الله ولا واغلِ

فسكَّن ((أشربْ)) . وقال جرير (٣) :

سِيروا بني العمِّ فالأهوازُ منزلُكُم ... ونهرُ تِيرى فما تعرفْكم العربُ

فهذه حركات إعراب وقد سُكِّنَتْ. وقراءة أبي عمرو صحيحة؛ وذلك أن الهمزة حرف ثقيل، ولذلك اجْتُرئ عليها بجميع أنواع التخفيف، فاستثقلت عليها الحركةُ، فقُدِّرت، وهذه القراءة تشبه قراءة حمزة رحمه الله في قوله تعالى: {وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا} (فاطر: ٤٣) فإنه سكَّن همزة ((السَّيِّئ)) وصلاً، والكلام عليهما واحد، والذي حسَّنه هنا أنَّ قبل الهمزة راءً مكسورة، والراء حرف تكرير، فكأنه توالى ثلاث كسرات، فحَسُن


(١) الكتاب ٢ / ٢٩٧.
(٢) ديوانه ١٢٢.
(٣) ديوانه ٤٨.

<<  <   >  >>