للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ أَبْزَى: نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، اسْتَأْجَرَ يَوْمَ "أُحُدٍ" أَلْفَيْنِ مِنَ الْأَحَابِيشِ يُقَاتِلُ بِهِمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِوَى مَنِ اسْتَجَابَ لَهُ مِنَ الْعَرَبِ، وَفِيهِمْ يَقُولُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:

فَجِئْنَا إِلَى مَوْجٍ مِنَ الْبَحْرِ وَسْطَهُ أَحَابِيشُ مِنْهُمْ حَاسِرٌ وَمُقَنَّعُ

ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْنُ نَصِيَّةٌ ثَلَاثُ مِئِينَ إِنْ كَثُرْنَا فَأَرْبَعُ

(١) - وَقَالَ الْحَكَمُ بن عتيبة: أنقق أَبُو سُفْيَانَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ "أُحُدٍ" أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنَ الذَّهَبِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ.

(٢) - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ رِجَالِهِ: لَمَّا أُصِيبَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ "بَدْرٍ" فَرَجَعَ فَلُّهُمْ إِلَى مَكَّةَ وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بِعِيرِهِمْ، مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ "بِبَدْرٍ"، فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ تِجَارَةٌ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ، فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ الَّذِي أَفْلَتَ عَلَى حَرْبِهِ لَعَلَّنَا نُدْرِكُ مِنْهُ ثَأْرًا بِمَنْ أُصِيبَ مِنَّا، فَفَعَلُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ.

(٣) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} {٦٤} .


(١) - أخرجه ابن جرير (٩/١٦٥) وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ (فتح القدير: ٢/٣٠٧) عن الحكم به، وهو مرسل لا بأس به، ويشهد له: الأثر الآتي:.
(٢) - أخرجه ابن جرير (٩/١٦٠) وابن المنذر وابن أبي حاتم (فتح القدير: ٢/٣٠٧) والبيهقي في "الدلائل" (٣/٢٢٤) من طريق ابن إسحاق عن الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن وعمرو بن سعد بن معاذ به، وهو مرسل صحيح الإسناد، وانظر (تفسير ابن جرير: ٩/١٦٠) ففيه مراسيل جيّدة شاهدة لهذا.
(٣) - أخرجه الطبراني (المعجم الكبير: ١٢/٦٠ - ح: ١٢٤٧٠) وأبو الشيخ وابن مردويه (فتح القدير: ٢/٣٢٤) من طريق إسحاق بن بشر به، وهذا موضوع، آفته إسحاق بن بشر الكاهلي (مجمع الزوائد: ٧/٢٨) (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: ٢/٢١٤ - رقم: ٧٣٤) ، لكن يغني عنه:
* ما أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه (فتح القدير: ٢/٣٢٤) عن سعيد بن جبير نحوه، وذكر أنهم ثلاث وثلاثون وهو مرسل، صححه السيوطي (لباب النقول: ١١٣) ولا أراه يصح؛ لأسباب:
١ - قول الحافظ ابن كثير "وفي هذا نظر؛ لأن الآية مدنية، وإسلام عمر كان بمكة بعد الهجرة إلى أرض الحبشة، وقبل الهجرة إلى المدينة" (تفسير ابن كثير: ٢/٣٢٤) .
٢ - أن الثابت في السيرة أن عدد المؤمنين المهاجرين إلى أرض الحبشة ثلاثة وثمانون رجلاً سوى النساء والأبناء ومن بقي بمكة (السيرة النبوية لابن هشام: ١/٢٨٦، ٢٩٤) (السيرة النبوية لمحمود شاكر: ١٠١، ١٠٢) وإسلام عمر كان بعد ذلك فكيف يكون تمام الأربعين؟.
أن معنى الآية يضعف هذا السبب، فالآية تأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والذين آمنوا معه أن يكون الله وحده حسبهم، في حين أن معنى السبب يوحي بأن معنى الآية: حسبك الله وحسبك من اتبعك من المؤمنين مثل عمر. وهذا التفسير مستبعد جدًّا؛ لأن القرآن دائما يقرر أن الاعتماد على الله وحده هو صلب التوحيد، كما قال تعالى: (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله) (الأنفال - ٦٢) وغير ذلك، وقد صح عن الشعبي أنه فسّرها بمثل ما قررنا (ابن جرير: ١٠/٢٦، وغيره، فتح القدير: ٢/٣٢٥) والله أعلم.

<<  <   >  >>