بها حتى ينتهي من سفره، ودار الغربة وعبور السبيل في هذا الحديث هي الدنيا، والسير فيها للآخرة، وذلك إنَّما يكون بتذكُّر الموت وقصر الأمل والاستعداد فيها للآخرة بالأعمال الصالحة، كما قال الله عزَّ وجلَّ:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} ، وقد ذكر البخاري في صحيحه (١١/٢٣٥ مع الفتح) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنَّه قال: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكلِّ واحدة منهما بَنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإنَّ اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل"، وقد أوضح النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مثل هذه الحياة الدنيا وانتهائها، وأنَّها ليست بدار قرار بقوله صلى الله عليه وسلم:"ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلاَّ كراكب استظلَّ تحت شجرة ثم راح وتركها" رواه الترمذي (٢٣٧٧) وغيره، وقال:"حديث حسن صحيح".
٣ قوله:"وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول: إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء"، فيه مبادرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تنفيذ وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه فضل عبد الله بن عمر رضي الله عنه؛ فإنَّه مع تنفيذه ما وصَّاه به رسول الله صلى الله عليه وسلم يرشد غيرَه إلى تنفيذ ذلك، والمعنى أنَّ المسلمَ يكون مترقِّباً الموت، فهو يستعدُّ له بالعمل الصالح دون كسل أو تأخير، ويعمل الصالحات في نهاره كأنَّه لا يُدرك المساء، وفي ليله كأنَّه لا يدرك الصباح، وفي ترجمة منصور بن زاذان في تهذيب الكمال: قال هُشيم بن بَشير الواسطي: "لو قيل لمنصور بن زاذان: إنَّ ملَك الموت على الباب ما كان عنده زيادة في العمل".
٤ قوله:"وخذ من صحَّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك"، المعنى أنَّ المسلمَ يُبادر إلى الأعمال الصالحة، حيث يكون متمكِّنا منها، وذلك