الرأس ومرضاً في الأصبع بدأ بتداوي مرض الرأس، لأن الرأس هو الأصل لحياته وفيه الحواس العشرة فلو اختل الرأس لاختلت كلية الإنسانية، وأما الأصبع لو عدم من أصله ما اختل من الإنسانية شيء فينبغي أن يكون الداعي كالطبيب الحاذق الذي يداوي الأضر قبل الضار، فكذلك الداعي يبدأ بالتوحيد قبل الصلاة وبالصلاة قبل الزكاة، وبالزكاة قبل الصوم والحج، وبأركان الإسلام والإيمان قبل سائر الأ‘مال، كما أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً.
وأما ما يدل على أن شهادة أن لا إله إلا الله أحسن الأقوال وألزم من كل عمل وقبل كل عمل من السنة ما ذكر عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن داعياً إلى الله قال:"إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب" أوتوا العلم فيعلمون أصل الأديان وفروعها ويعلمون أن الأصل مقدم في الدعوة إلى الله وأن كل نبي أول ما يدعو قومه إلى التوحيد "فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله" وفي رواية "إلى أن يوحدوا الله" قلت: فالروايتان دلتا على أن شهادة أن لا إله إلا الله وأن يوحدوا الله لفظان مترادفان بمعنى واحد وهو الإقبال على الله بالقلب والقالب وترك ما سواه، وهذا هو الأهم قبل كل أمر، ومعلوم بالضرورة أن ما يتصور الفرع إلا بعد تصور الأصل ووجوده وتمكنه ولا يصلح الفرع إلا بعد صلاح الأصل، أما ترى أن الشجرة ليست تتفرع إلا بعد تمكن العروق التي هي الأصل فيها والأساس لها، قال تعالى:{مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} . [إبراهيم: ٢٤] . وقد مر الكلام عليها وقد ذكر الله تعالى ثبوت الأصل قبل ارتفاع الفرع إلى السماء تنبيهاً على ذلك "فإن هم أطاعوك لذلك" وكفروا بما