للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتضاد أحوالهم بعضهم لبعض عرفت لو أن لهم أساساً محكماً يبنون عليه لبنوا، ولكنهم حيارى في مهمهة خالية عن الأمارات والعلامات الدالة على ما ينقذهم مما هم فيه، وذلك لاتباعهم النفس والهوى والشيطان وغرتهم الحياة الدنيا فضلوا وأضلوا وتفرقوا واختلفوا كل حزب بما لديهم فرحون. وقد أخبر الواقف على نهاية أقدامهم بما انتهى إليه من أمرهم حيث يقول:

لعمري لقد طفت المعاهد كلها ... وسيرت طرفي بين تلك العالم

فلم أر إلا واضعاً كف حائر ... على ذقن أو قارع سن نادم

وأقروا على أنفسهم بما قالوا متمثلين به أو منشئين فيما صنفوه من كتبهم كقول بعض رؤسائهم:

نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العاملين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وغاية دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن اقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} . [طه: ٥] . {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} . [فاطر: ١٠] . واقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . [الشورى: ١١] . {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} . [طه: ١١٠] . ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.

ويقول آخر: لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل والويل لابن فلان، وها أنا إذاً أموت على عقيدة أمي.

ويقول آخر: أكثر الناس شكاية عند الموت أصحاب الكلام، وذلك بأنهم كما قال الإمام أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي صاحب

<<  <   >  >>