للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد أحدٌ طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت مواخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله بشيء". رواه ابن جرير١.

فإذا قبلت هذه الدرجة وتمكنت فيها بلا التفات ولا محاباة طولبت بالثالثة وهي لب الكتاب وزبدة الرسالة والكتاب وهي أن يكون الله أحب إليك مما سواه، فإذاً تقدم أمره على أمر من عداه وذلك قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} . [البقرة: ١٦٥] . قوله: يحبونهم كحب الله دل على أنهم يساوون مع الله غيره كما قال تعالى في حكاية عن المشركين في النار: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} . [الشعراء: ٩٧، ٩٨] .

قال ابن تيمية: أي في المحبة، فإذا عرفت من ساوى مع الله غيره في المحبة أشرك الشرك الأكبر، فكيف بمن رجح محبة الند على الله تعالى؟ بل وكيف بمن أقبل بكليته على غيره قلباً وقالباً؟ بمعنى أنه يعظم أوامر الند وحرماته أشد تعظيماً إذا هتك حرمة من حرمات الند غضب غضب الليث واحمرت وجنته وانتفخت أوداجه وقام وقعد فيه، وإن هتك حرمة من حرمات الله لم يرفع به رأساً بل ويثبط غيره عن القيام فيه، فإذا رقيت هذه الدرجة وتمكنت فيها طولبت بالدرجة الرابعة وهي المتممة للدرجات الثلاث وهي المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيدور مع قول الرسول وفعله نفياً وإثباتاً بلا روغان، فإن أتاه حكم من غيره وازنه بميزان ما جاء به صلى الله عليه وسلم، فإن وافقه أخذ بالقول، وإن خالفه


١ أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (٣٩٦) وابن المبارك في الزهد (٣٥٣) من طريق ليث عن مجاهد عن ابن عباس.

<<  <   >  >>